دَفَعَ جَمِيعَ الْمَهْرِ، وَضُمَّ إِلَى الْغَنِيمَةِ حَتَّى يُقَسَّمَ مَعَهَا فِي جَمِيعِ الْغَانِمِينَ، فَلَوْ صَارَتِ الْجَارِيَةُ الَّتِي وَطِئَهَا فِي سَهْمِهِ وَمَلَكَهَا بِالْقِسْمَةِ بَعْدَ وَطْئِهِ لَمْ يَسْتَرْجِعِ الْمَهْرَ بَعْدَ دَفْعِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ قَبْلَ دَفْعِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحْدَثَ مِلْكَهَا بَعْدَ وُجُوبِ مَهْرِهَا، فَصَارَتْ كَأَمَةٍ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ، ثُمَّ ابْتَاعَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ مِنْ سَيِّدِهَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ مَهْرُهَا، وَإِنْ كَانَ عَدَدُ الْغَانِمِينَ مَحْصُورًا، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَسْقُطُ عَنْهُ مِنَ الْمَهْرِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فِيهَا، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَحَلِّ سُقُوطِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ، حَكَاهُمَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ قَدْرُ حَقِّهِ مِنْهَا إِذَا كَانَ قَدْ تَمَلَّكَهَا بِالْقِسْمَةِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْغَانِمِينَ مَحْصُورِينَ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ مَهْرِهَا، وَإِنْ كَانَ عَدَدُهُمْ مَحْصُورًا؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي حَالٍ لَيْسَ بِمَالِكٍ فِيهَا، وَإِنَّمَا مَلَكَ أَنْ يَتَمَلَّكَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ فِي الْحَالَيْنِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْهَا، سَوَاءٌ كَانَ وَطْؤُهُ قَبْلَ التَّمَلُّكِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهَا مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ، وَلَا حَقَّ فيها لغيرهم، والأول أشبه.
[(مسألة)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنْ حَمَلَتْ فَهَكَذَا وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ وَكَانَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ ".
قَالَ الماوردي: وصورتها أن تحمل مِنْهُ الْجَارِيَةَ الَّتِي وَطِئَهَا مِنَ الْمَغْنَمِ، فَيَتَعَلَّقَ بِحَمْلِهَا أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا فِي اخْتِصَاصِهَا بِالْوَطْءِ:
أَحَدُهَا: سُقُوطُ الْحَدِّ.
وَالثَّانِي: وُجُوبُ التَّعْزِيرِ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ.
وَالثَّالِثُ: اسْتِحْقَاقُ الْمَهْرِ، فَأَمَّا الْأَحْكَامُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِإِحْبَالِهَا:
فَأَحَدُهَا: لُحُوقُ الْوَلَدِ بِهِ.
وَالثَّانِي: حُرِّيَّتُهُ.
وَالثَّالِثُ: وُجُوبُ قِيمَتِهِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ تَصِيرَ الْجَارِيَةُ بِهِ أُمَّ ولد.
فأما لحوق الولد فهو لا حق بِهِ، سَوَاءٌ اعْتَرَفَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ، إِذَا وَضَعَتْهُ لِزَمَانٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُلْحَقُ بِهِ، وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ لَا يُلْحَقُ بِسَيِّدِهَا إِلَّا بِالِاعْتِرَافِ، وَعِنْدَنَا يُلْحَقُ بِالْفِرَاشِ، وَقَدْ صَارَتْ فِرَاشًا بِهَذَا الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ يَسْقُطُ فِيهِ الْحَدُّ فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْحُرَّةِ