والثاني: أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ عِنْدَنَا فِي مُبَاحِ السَّفَرِ دون واجبه كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَصُومَنَّ امْرَأَةٌ وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) مَحْمُولًا عَلَى تَطَوُّعِ الصَّوْمِ دُونَ مَفْرُوضِهِ، وَهَذَا وَاجِبٌ كَالْحَجِّ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى ذِي مَحْرَمٍ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قِيَاسٌ يَدْفَعُ النَّصَّ فَكَانَ مُطَّرَحًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُغَرَّبَ فِي غَيْرِ الزِّنَا تَعْزِيرًا وَجَازَ فِي الزِّنَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ وُجُوبِهِ فِي الزِّنَا حَدًّا وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي غَيْرِ الزِّنَا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الثَّيِّبِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَدَّ الثَّيِّبِ أَغْلَظُ الْعُقُوبَاتِ فَسَقَطَ بِهِ مَا دَوْنَهُ.
والثاني: أن الرجم فيه قد منع من حد يتعقبه والجلد لا يمنع والله أعلم.
[(فصل)]
فإذا استقر فرق ما بين البكر والثيب في حد الزنا فجمع الزاني بينهما فزنا بكراً ثم زنا ثيباً ففي الجمع عليه بَيْنَ الْحَدَّيْنِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُجْمَعُ عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا، فَيُجْلَدُ لِزِنَا الْبَكَارَةِ، وَيُرْجَمُ لِزِنَا الْإِحْصَانِ، وَلَا يُغَرَّبُ؛ لِأَنَّ رَجْمَهُ يُغْنِي عَنْهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ اتَّفَقَ مُوجِبُهُمَا فَدَخَلَ أَخَفُّ الْحُكْمَيْنِ فِي أغلظهما كما يدخل الحدث في الجناية، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ الزِّنَا مِنْهُ فِي الْبَكَارَةِ تداخل، ولو تكرر منه فِي الْإِحْصَانِ تَدَاخَلَ، فَوَجَبَ إِذَا تَكَرَّرَ فِي البكارة والإحصان أن يتداخل، وَهَكَذَا لَوْ سَرَقَ ثُمَّ ارْتَدَّ فَفِي دُخُولِ قَطْعِ السَّرِقَةِ فِي قَتْلِ الرِّدَّةِ وَجْهَانِ عَلَى ما ذكرناه والله أعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " فإذا أَصَابَ الْحُرُّ أَوْ أُصِيبَتِ الْحُرَّةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَقَدْ أُحْصِنَا فَمَنْ زَنَى مِنْهُمَا فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ فِي حَدِّ الزِّنَا بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَلَيْسَ يُرَادُ بِالثَّيِّبِ زَوَالُ الْعُذْرَةِ لِعَدَمِ هَذِهِ الصِّفَةِ فِي الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَا الْإِحْصَانُ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالثَّيِّبِ الْمُحْصَنُ، وَالْإِحْصَانُ فِي كَلَامِهِمُ الِامْتِنَاعُ، وَمِنْهُ سُمِّي الْقَصْرُ حِصْنًا لِامْتِنَاعِهِ، وقيل: فرس حَصَانٌ لِامْتِنَاعِ رَاكِبِهِ بِهِ، وَدِرْعٌ حَصِينَةٌ لِامْتِنَاعِ لَابِسِهَا مِنْ وُصُولِ السِّلَاحِ إِلَيْهِ، وَقَرْيَةٌ حَصِينَةٌ لامتناع أهلها قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ} [الحشر: ١٤] وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْإِحْصَانُ هُوَ الْأَسْبَابُ الْمَانِعَةُ مِنَ الزِّنَا، وَهِيَ أربعة شروط يصير الزاني بها محصناً: