وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جلد وغرب إلى فدك.
وجلد عمر وَغَرَّبَ إِلَى الشَّامِ، وَجَلَدَ عُثْمَانُ وَغَرَّبَ إِلَى مِصْرَ.
وَجَلَدَ عَلِيٌّ وَغَرَّبَ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ عُمَرُ حِينَ غَرَّبَ لَا أنفي بعده أحداً.
وَقَالَ عَلِيٌّ: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ غَرَّبُوا تَعْزِيرًا يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُهُ وَلَمْ يَكُنْ حَدًّا مَحْتُومًا. قِيلَ: أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ لا أنفي بعده أحداً، فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي شَارِبِ خَمْرٍ نَفَاهُ فَارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالرُّومِ، وَالنَّفْيُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ تَعْزِيرٌ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَهُوَ فِي الزِّنَا حَدٌّ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ: " كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً) فَيَعْنِي: عَذَابًا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: ١٣] أَيْ يُعَذَّبُونَ، وَلِأَنَّ التَّغْرِيبَ عُقُوبَةٌ تَقَدَّرَتْ عَلَى الزَّانِي شَرْعًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَدًّا كَالْجَلْدِ، وَلِأَنَّ الزِّنَا مَعْصِيَةٌ تُوجِبُ حَدًّا أَعْلَى وَهُوَ الرَّجْمُ وَأَدْنَى وَهُوَ الْجَلْدُ، فَوَجَبَ أَنْ يقترن بأدناها غَيْرُهُمَا كَالْقَتْلِ يُوجِبُ أَعْلَى وَهُوَ الْقَوَدُ وَأَدْنَى وَهُوَ الدِّيَةُ وَاقْتَرَنَ بِهَا الْكَفَّارَةُ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ كُلَّ مَا وَجَبَ بِالْقُرْآنِ، وَالتَّغْرِيبُ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ دُونَ الْقُرْآنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ عِنْدَنَا لَا تَكُونُ نَسْخًا، وَلَوْ كَانَتْ نَسْخًا لم تكن زيادة التغريب ها هنا نَسْخًا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّنَا قَدِ اتَّفَقْنَا عَلَيْهَا وَإِنِ اخْتَلَفْنَا فِي حُكْمِهَا، فَجَعَلُوهَا تَعْزِيرًا وَجَعَلْنَاهَا حَدًّا.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَكُونُ نَسْخًا إِذَا تَأَخَّرَتْ والتغريب ها هنا تفسير لقوله: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: ١٥] فَكَانَ مقدما على قَوْلِهِ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] فَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ النَّسْخِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَغْرِيبِهَا مَعَ ذِي الْمَحْرَمِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ تَغْرِيبِهَا تَعْزِيرًا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تغريبها حداً.