للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: " إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ " يَعْنِي بِهِ زَوَالَ هَذَا الِاسْمِ عَنْ مُلُوكِهِمْ، وَكَانَ اسْمًا لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ، فَلَمَّا هَلَكَ قَيْصَرُ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ أَحَدٌ مِنْ مُلُوكِهِمْ، وَثَبَتَ مُلْكُهُ الْآنَ فِي بِلَادِهِمْ.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبًا، وَهُوَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَنْتَابُ الْيَمَنَ فِي الشِّتَاءِ، وَالشَّامَ وَالْعِرَاقَ فِي الصَّيْفِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} [قريش: ٢] . فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَبِلَادُ الرِّحْلَتَيْنِ عَلَى شِرْكِهِمْ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِانْقِطَاعِ الرِّحْلَتَيْنِ عَنْهُمْ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا طَيَّبَ بِهِ نُفُوسَهُمْ " إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ " يَعْنِي بِالْعِرَاقِ، فَهَلَكَ، فَلَمْ يَبْقَ بِالْعِرَاقِ وَلَا بِغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ يَعْنِي بِالشَّامِ، فَهَلَكَ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُلْكٌ بِالشَّامِ، وَإِنْ بَقِيَ فِي غَيْرِهَا فِي بِلَادِ الرُّومِ، فَصَدَقَ خَبَرُهُ، وَصَحَّ مَوْعِدُهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(فَصْلٌ: يَشْتَمِلُ على فروع من كتاب الأسارى والغلول)

وَإِذَا سَبَى الْحَرْبِيُّ جَارِيَةً لِمُسْلِمٍ، فَأَوْلَدَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوَّلًا ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَمْلِكُوهَا، وَكَانَ مَالِكُهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَقَّ بِهَا وَبِأَوْلَادِهَا.

وَلَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَهِيَ مَعَهُ وَأَوْلَادُهَا لَمْ يَمْلِكْهَا، لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِمُسْلِمٍ غَلَبَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ.

فَأَمَّا قِيمَةُ أَوْلَادِهَا، وَمَهْرُ مِثْلِهَا، فَمُعْتَبِرٌ بِحَالِ إِيلَادِهِ لَهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، فَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لِأَوْلَادِهَا، وَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ مِنْهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ، وَمَا اسْتَهْلَكَهُ الْحَرْبِيُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ هَدْرٌ.

وَإِنْ أَوَلَدَهَا بَعْدَ إِسْلَامِهِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ أَوْلَادِهَا، وَمَهْرُ مِثْلِهَا، لِأَنَّهُ أَوْلَدَهَا بِشُبْهَةِ مِلْكٍ، فَلَحِقُوا بِهِ، وَعُتِقُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَلَا يَنْهَدِرُ مَا اسْتَهْلَكَهُ كَالْمُسْلِمِ.

(فَرْعٌ)

: وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ أَهْلُهَا مَالًا لِيَشْتَرِيَ لَهُمْ بِهِ مَتَاعًا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَلِلْمَالِ أَمَانٌ إِذَا دَخَلَ بِهِ الْمُسْلِمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَالِكِهِ أَمَانٌ، لِأَنَّ اسْتِئْمَانَهُمْ لَهُ أَمَانٌ مِنْهُ، وَلَوْ خَرَجَ بِالْمَالِ ذِمِّيٌّ كَانَ أَمَانُهُ فَاسِدًا فَإِنْ عَلِمَ مَالِكُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَسَادَ أَمَانِهِ كَانَ الْمَالُ مَغْنُومًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَسَادَ أَمَانِهِ كَانَ مَحْرُوسًا عَلَيْهِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهِ، وَحَالُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، إِذَا أَمَّنَ أَحَدُهُمَا حَرْبِيًّا كَانَ الْأَمَانُ فَاسِدًا، وَكَانَ مُسْتَأْمَنُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مَحْقُونَ الدَّمِ، حَتَّى يَعُودَ إِلَى مَأْمَنِهِ إِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِفَسَادِ الْأَمَانِ، فَإِنْ عُلِمَ بِهِ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ، وَخَرَّجَ الرَّبِيعُ اسْتِئْمَانَ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمَالِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا التفصيل أصح.

<<  <  ج: ص:  >  >>