للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَسُمِّيَ اضْطِبَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَكْشِفُ إِحْدَى ضَبْعَيْهِ، وَضَبْعَاهُ مَنْكِبَاهُ، وَهُوَ سِنَّةٌ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بِسُنَّةٍ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا فَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ: أَمَا تَرَوْنَ إِلَى أَصْحَابِ محمد، قد وعكتهم حتى يَثْرِبَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: ارْمُلُوا وَاضْطَبِعُوا. كَفِعْلِ أَهْلِ النَّشَاطِ وَالْجَلَدِ لِيَغِيظَ قُرَيْشًا. قَالَ: وَهَذَا سَبَبٌ قَدْ زَالَ، فَيَجِبُ أَنْ يَزُولَ حُكْمُهُ.

وَدَلِيلُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ حِينَ طَافَ، وَقَالَ: " خُذُوا عَنِّي منساككم ". وَرَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ استلم الركن لسعي، ثم قال: لمن نبرئ الْآنَ مَنَاكِبَنَا وَمَنْ نُرَائِي وَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ؟ لَأَسْعَيَنَّ كَمَا سَعَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَمَلَ مُضْطَبِعًا، فَقَدْ أَخْبَرَ بِسُنَّتِهِ، ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ مَعَ زَوَالِ سَبَبِهِ، وَأَكْثَرُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، كَانَتْ لِأَسْبَابٍ زَالَتْ وَهِيَ بَاقِيَةٌ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالِاضْطِبَاعُ وَالرَّمَلُ مَسْنُونٌ فِي الطَّوَافِ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ سَعْيٌ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُرِدِ السَّعْيُ بَعْدَهُ، فَلَا يَضْطَبِعُ لَهُ، وَلَا يَرْمُلُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَضْطَبِعْ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ وَلَمْ يَرْمُلْ، وَإِذَا أَرَادَ السَّعْيَ فَاضْطَبَعَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ غَطَّى مَنْكِبَيْهِ، فَإِذَا سَلَّمَ مِنَ الطَّوَافِ، وَكَشَفَ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ لِلِاضْطِبَاعِ، فَلَوْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ فِي بَعْضِ الطَّوَافِ، اضْطَبَعَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ، وَلَوْ تَرَكَهُ فِي جَمِيعِ الطَّوَافِ اضْطَبَعَ فِي السَّعْيِ وَلَوْ تَرَكَهُ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَلَا إِعَادَةَ.

مَسْأَلَةٌ

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالِاسْتِلَامُ فِي كُلِّ وِتْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ فِي كُلِّ شفعٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الِاسْتِلَامُ فَمُسْتَحَبٌّ فِي جَمِيعِ الطَّوَافِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاسْتِلَامُ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ فَالِاسْتِلَامُ فِي كُلِّ وِتْرٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْهُ فِي كُلِّ شَفْعٍ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ " وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَلِمًا فِي افْتِتَاحِهِ وَخَاتِمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ يَكُونُ أَكْبَرَ عَدَدًا، وَلَا يَكُونُ مَا تَرَكَهُ مِنَ الِاسْتِلَامِ قادحاً في طوافه. قَدْ رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ كَيْفَ فَعَلْتَ فِي اسْتِلَامِ الرُّكْنِ؟ فَقَالَ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلْتُ، اسْتَلَمْتُ الرُّكْنَ وَتَرَكْتُ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أصبت ".

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " ويرمل ثلاثاً ويمشي أربعاً ويبتدئ الطواف من الحجر الأسود ويرمل ثلاثاً لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثاً والرمل هو الخبب لا شدة السعي والدنو من البيت أحب إليّ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>