والثاني: أنه نقض حدث وتجدد لمعصيتهم فلم يتحقق بِهِ غُرْمُهُمْ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ أَحْوَالِ السَّلَامَةِ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْقِيمَةِ فِي اعْتِبَارِ النصاب وفي غرم المستهلك.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَيُحَدُّ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ فِعْلِهِ فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ قَتَلَهُ قَبْلَ صَلْبِهِ كَرَاهِيَةَ تَعْذِيبِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ قَتْلِ الْعَمْدِ يصلب ثلاثا ثم يترك) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَحْكَامِ الْمُقَدِّمَةِ وَذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ المحاربين يعاقب بحسب دينه وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِإِقْرَارِهِمْ طَوْعًا أَوْ قِيَامِ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِمْ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ، فَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَجَبَ الْغُرْمُ دُونَ الْحَدِّ. فَأَمَّا الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقَامُ فِيهِ الْحُدُودُ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلٍ وَصَلْبٍ فَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي حَارَبُوا فِيهِ وَقَتَلُوا إِذَا شَاهَدَهُمْ فِيهِ مَنْ يَرْتَدِعُ بِهِمْ من غواة الناس، فإن كَانَتْ حِرَابَتُهُمْ فِي مَفَازَةٍ نُقِلُوا إِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ بِهَا مِنَ الْأَمْصَارِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا أَهْلُ الْفَسَادِ، وَلَا يُؤَخَّرُ قَتْلُهُمْ إِلَّا قَدْرَ استبراء أحوالهم.
قال الشافعي: " وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ دُونَ الصَّلْبِ قُتِلَ وَدُفِعَ إِلَى أَهْلِهِ يُكَفِّنُونَهُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لَا يُسْقِطُ قَتْلُهُمْ فِي الْحِرَابَةِ فَرْضَ الله فيهم في غُسْلِهِمْ وَتَكْفِينِهِمْ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَدَفْنِهِمْ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ وجبت لحرمه إسلامهم، فإن التمسوهم أَهْلُهُمْ سُلِّمُوا إِلَيْهِمْ لِيَقُومُوا بِذَلِكَ فِيهِمْ وَإِنْ بقوا ضيعة قام بهم الإمام من بيت المال، وكان له لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ، وَكَرِهَ لَهُ مَالِكٌ أَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ بِقَتْلِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ لا تسقط الحقوق، ولأن يتولى الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ أَحَدِهِمَا.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي: " وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ دُونَ الْقَتْلِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ حُسِمَتْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ثُمَّ خلي) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي أَحْكَامِ الْأَقْسَامِ حُكْمَ الْقَطْعِ فِي أَخْذِ الْمَالِ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: ٣٣] فإن قطع متولي الْأَمْرِ يُمْنَى يَدَيْهِ وَيُمْنَى رِجْلَيْهِ تَعَدَّى، وَلَزِمَهُ الْقَوَدُ فِي يُمْنَى رِجْلَيْهِ إِنْ عَمَدَ وَدِيَتُهَا إن أخطأ ولم يسقط بذلك قطع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute