وَالثَّانِي: يَجُوزُ إِذَا أُجِيزَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فَعَلَى هذا بما يُقِيمُ عَلَى الْمَوْجُودِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُقِيمُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَسَخَ.
وَالثَّانِي: بِالْحِسَابِ وَالْقِسْطِ وَهُوَ أَصَحُّ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَكُونُ لِلْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ الْخِيَارُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فإذا أجازه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بصفة مضمونا إِلَى أَجَلٍ كَانَ حَالًا أَجْوَزُ وَمِنَ الْغَرَرِ أَبْعَدَ فَأَجَازَهُ عَطَاءٌ حَالًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: يَجُوزُ عَقْدُ السَّلَمِ حَالًا وَمُؤَجَّلًا وَقَالَ مَالِكٌ، وأبو حنيفة: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَالًا حَتَّى يَكُونَ مُؤَجَّلًا إِلَّا أَنَّ أبا حنيفة يَقُولُ: يَجُوزُ إِلَى كُلِّ أَجَلٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ الْأَجَلُ فيه أقل من ثلاثة أيام.
واستدلا عَلَى أَنَّ الْأَجَلَ مِنْ شَرْطِهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ ". فَجَعَلَ الْأَجَلَ فِيهِ شَرْطًا، وَلِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ يَجْمَعُ ثَمَنًا وَمُثَمَّنًا فَلَمَّا كَانَ الثَّمَنُ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْجِيلُ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْمُثَمَّنُ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّأْجِيلُ.
وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّهُ أَحَدُ بَدَلَيِ الْمُسَلِّمِ فَوَجَبَ أَلَّا يَقَعَ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ كَالثَّمَنِ؛ وَلِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقَدٌ عَلَى مَا لَا يَمْلُكُهُ الْعَاقِدُ فِي الْحَالِ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّ الْأَجَلَ شَرْطٌ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي عَقْدِ السَّلَمِ وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّهُ عَقْدٌ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ وُجُودُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ عَاقِدِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مِنْ شَرْطِهِ كَالْإِجَارَةِ وَلِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ مَوْضُوعٌ عَلَى ارْتِفَاقِ الْعَاقِدَيْنِ بِهِ وَارْتِفَاقِ الْمُشْتَرِي بِاسْتِرْخَاصِهِ وَارْتِفَاقِ الْبَائِعِ بِتَأْخِيرِهِ فَإِذَا عَقَدَ حَالًا زَالَ وَضْعُ حَقِّ حَمْلِ الْبَائِعِ بِهِ فَبَطَلَ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَلِأَنَّ السَّلَمَ إِنَّمَا سُمِّيَ سَلَمًا لِاخْتِصَاصِهِ بِتَأْجِيلِ الْمُثَمَّنِ وَتَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْدِلَ بِهِ عَمَّا وُضِعَ الِاسْمُ لَهُ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِهِ حَالًا قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَجَازَ أَنْ يَصِحَّ مُؤَجَّلًا وَمُعَجَّلًا كَالْبَيْعِ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ بَيْعُ عَيْنٍ وَبَيْعُ صِفَةٍ فَلَمَّا صَحَّتْ بُيُوعُ الْأَعْيَانِ حَالَّةً وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ بُيُوعُ الصِّفَاتِ حَالَّةً.
وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْبَيْعِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ حَالًا كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ؛ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ مُؤَجَّلًا وَمُعَجَّلًا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُثَمَّنُ فِي بَيْعِ الصِّفَاتِ مُؤَجَّلًا وَمُعَجَّلًا وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ مِنْ عَقْدِ المعاوضة دخله التعجيل والتأجيل كالثمن ولأنها مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بَعْدَ مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَوَجَبَ أَلَّا يَكُونَ شَرْطًا فِيهِ كَالْخِيَارِ وَكَالْأَجَلِ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ مَعْلُومٌ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ التَّنْجِيمُ فَوَجَبَ أَلَّا يَكُونَ مِنْ شَرْطِهِ التَّأْجِيلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute