بِهِ رَجُلٌ فَتَصِيرُ جَمَاعَةً، جَازَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يَأْتَمُّ بِرَجُلٍ فَتَصِيرُ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ
وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنْ نَقُولَ: إِنَّهَا صَلَاةٌ افْتَتَحَهَا مُنْفَرِدًا فَجَازَ أَنْ تَصِيرَ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ كَالْإِمَامِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ طَرَفَانِ ابْتِدَاءٌ وَانْتِهَاءٌ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَائِهَا جَامِعًا وَفِي انْتِهَائِهَا مُنْفَرِدًا إِذَا أَحْدَثَ إِمَامُهُ أَوْ مَاتَ، جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَائِهَا مُنْفَرِدًا وَفِي انْتِهَائِهَا جَامِعًا، وَلِأَنَّ صَلَاةَ الِانْفِرَادِ أَنْقَصُ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَبِنَاءَ الْأَفْضَلِ عَلَى الْأَنْقَصِ جَائِزٌ فِيمَا يَصِحُّ إِتْيَانُهُ مُنْفَرِدًا، كَبِنَاءِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ عَلَى صَلَاةِ الْمُقِيمِ
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: " وَأُحِبُّ أَنْ يُكْمِلَهَا رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمَ يَكُونَانِ لَهُ نَافِلَةً " فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي جَوَازَ نَقْلِ الْفَرْضِ إِلَى النَّفْلِ وَتَفْصِيلُ مَذْهَبِهِ فِي نَقْلِ صَلَاةٍ إِلَى صَلَاةٍ مَا أَنَا ذَاكِرُهُ، لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ، كَظُهْرٍ إِلَى عَصْرٍ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ فَرْضِهِ الْأَوَّلِ، لِتَغْيِيرِ النِّيَّةِ، وَلَا عَنِ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْهُ بِالنِّيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ نَفْلٌ إِلَى نَفْلٍ، لِأَنَّهُمَا إِنْ كَانَا مِثْلَيْنِ فَلَا مَعْنَى لِتَغْيِيرِ النِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ كَانْتِقَالٍ مِنْ وِتْرٍ إِلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لم يجب، لأن افتتاحها بِالنِّيَّةِ وَاجِبٌ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ نَفْلٍ إِلَى فَرْضٍ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِي ابْتِدَائِهَا
فَأَمَّا نَقْلُ فَرْضٍ إِلَى نَفْلٍ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: انْتِقَالُ حُكْمٍ، وَالثَّانِي: انْتِقَالُ فِعْلٍ، فَأَمَّا انْتِقَالُ الْحُكْمِ فَجَائِزٌ، كَمَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضِ الْوَقْتِ قَبْلَ دُخُولِهِ، فَهِيَ لَهُ نَافِلَةٌ وَإِنْ نَوَاهَا فَرْضًا، فَأَمَّا انْتِقَالُ الْفِعْلِ فَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ إِحْرَامُهُ بِفَرْضٍ، ثُمَّ يُغَيِّرُ النِّيَّةَ وَيَنْقِلُ صَلَاتَهُ مِنَ الْفَرْضِ إِلَى النَّفْلِ
فَفِيهِ قَوْلَانِ، مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ مِنْهُمَا بُطْلَانُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّعْلِيلِ، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ
وَالثَّانِي: وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ قَوْلِهِ وَأُحِبُّ أَنْ يُكْمِلَ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ تَكُونَانِ لَهُ نَافِلَةً، فَيَجُوزُ نَقْلُ الْفَرْضِ إِلَى النَّافِلَةِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنِ امْتَنَعَ مِنْ تَخْرِيجِ هَذَا الْقَوْلِ وَحَمَلَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ انْتَقَلَتْ فِي الْحُكْمِ نَافِلَةً، لَا أَنَّهَا انْتَقَلَتْ بِتَغْيِيرِ النِّيَّةِ كَالضَّرْبِ الْأَوَّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute