للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُكُمْ بِالْبَعْرِ وَلَا بِالْعَظْمِ ". وَلِأَنَّ الْعَظْمَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُذَكًّى أَوْ غَيْرَ مُذَكًّى.

فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُذَكًّى فَهُوَ نَجِسٌ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالنَّجِسِ لَا يَجُوزُ.

وَإِنْ كَانَ مُذَكًّى فَهُوَ مَطْعُومٌ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَطْعُومِ لَا يَجُوزُ لِمَا دللنا عليه ولأن في العظم سهوكة لزوجته تَمْنَعُ مِنَ الْإِزَالَةِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ غَيْرُ جَائِزٍ، سَوَاءً كَانَ الْعَظْمُ الَّذِي يَسْتَنْجِي بِهِ رَخْوًا رَطْبًا أَوْ كَانَ قَوِيًّا مُشْتَدًّا، قَدِيمًا كَانَ أَوْ حَدِيثًا، مَيِّتًا كَانَ أَوْ ذَكِيًّا، فَإِنْ أُحْرِقَ بِالنَّارِ حَتَّى ذَهَبَتْ سهوكته لزوجته وخرج عَنْ حَالِ الْعَظْمِ فَإِنْ كَانَ عَظْمَ مَيِّتٍ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ نَجِسٌ عِنْدَنَا وَالنَّارُ لَا تُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ، وَإِنْ كَانَ مُذَكًّى فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ بَعْدَ إِحْرَاقِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ لِأَنَّ النَّارَ قَدْ أَحَالَتْهُ عَنْ حَالِهِ فَصَارَتْ كَالدِّبَاغَةِ تُحِيلُ الْجِلْدَ الْمُذَكَّى عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ إِلَى حَالٍ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرِّمَّةَ هِيَ الْعَظْمُ الْبَالِي فَلَا فَرْقَ أَنْ يَصِيرَ بَالِيًا بِمُرُورِ الزَّمَانِ، وَبَيْنَ أَنْ يَصِيرَ بَالِيًا بِالنَّارِ، وَالشَّاهِدُ عَلَى أَنَّ الرِّمَّةَ هِيَ الْعَظْمُ الْبَالِي قَوْلُ جَرِيرٍ لِابْنِهِ فِي شِعْرِهِ.

(فَارَقْتَنِي حين عن الدَهْرُ مِنْ بَصَرِي ... وَحِينَ صِرْتُ كَعَظْمِ الرُّمَّةِ الْبَالِي)

وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّارِ فِي الْعَظْمِ وَبَيْنَ الدِّبَاغَةِ فِي الْجِلْدِ أَنَّ الدِّبَاغَةَ تَنْقُلُ الْجِلْدَ إِلَى حَالٍ زَائِدَةٍ فَأَفَادَتْهُ حُكْمًا زَائِدًا، وَالنَّارُ تَنْقُلُ الْعَظْمَ إِلَى حَالٍ نَاقِصَةٍ، فَكَانَ أَوْلَى أن يصير حكمه ناقصاً.

[(فصل)]

: فأما قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَطِيبَ بِعَظْمٍ وَلَا نَجِسٍ، فَقَدْ رُوِيَ نَجِسٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَرُوِيَ نجسٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ فَمَنْ رَوَى بِالْكَسْرِ جَعَلَهُ صِفَةً لِلْعَظْمِ فَصَارَ مَعْنَاهُ، وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَسْتَطِيبَ بِعَظْمٍ لَا طَاهِرٍ وَلَا نَجِسٍ، وَمَنْ رَوَى بِالْفَتْحِ جَعَلَهُ ابْتِدَاءً، وَنَهَى عَنِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالنَّجَاسَاتِ كُلِّهَا، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالنَّجَاسَاتِ لَا يَجُوزُ فَإِنِ اسْتَنْجَى بِهَا لَمْ يَجْزِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِهَا هَلْ يَسْتَعْمِلُ الْأَحْجَارَ بَعْدَهَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِنَجَاسَةِ الْمَحَلِّ بِغَيْرِ مَا خَرَجَ مِنَ السَّبِيلِ.

وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِأَنَّ مَا حَدَثَ مِنَ النَّجَاسَةِ يَصِيرُ تَبَعًا لِنَجَاسَةِ الْمَحَلِّ.

(فَصْلٌ: تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ)

فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الِاسْتِنْجَاءِ وَأَحْكَامِهِ فَيَنْبَغِي لِلْمُحْدِثِ أَنْ يُقَدِّمَ الِاسْتِنْجَاءَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>