للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَزَلَ إِلَى قَبْرِهِ أَرْبَعَةٌ، اثْنَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَهُمَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَاثْنَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا فَرُوِيَ أَنَّهُمَا الْعَبَّاسُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ

وَرُوِيَ أَنَّهُمَا: قَثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ

وَنُصِبَ اللَّبِنُ عَلَى لَحْدِهِ، وَبُسِطَ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ كَانَ يَلْبَسُهَا

وَقِيلَ: بَلْ أُلْقِيَتْ فِي قَبْرِهِ فَوْقَ لَحْدِهِ أَلْقَاهَا غُلَامٌ كَانَ يَخْدِمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَا يَلْبَسُهَا بَعْدِي أَحَدٌ أَبَدًا فَتُرِكَتْ عَلَى حَالِهَا فِي الْقَبْرِ، وَلَمْ تُخْرَجْ مِنْهُ وَجُعِلَ بَيْنَ قَبْرِهِ وَبَيْنَ حَائِطِ الْقِبْلَةِ نَحْوُ سَوْطٍ

فَصْلٌ: وَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان أبو بكر في مسكنه بالسنح، ولم يَشْهَدْ مَوْتَهُ فَأَقْبَلَ عَلَى فَرَسِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ عَلَى شَكٍّ فِي مَوْتِهِ وَهُمْ يَبْكُونَ وَعُمَرُ قَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيبًا يَتَوَعَّدُ النَّاسَ وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ عُرِجَ بِرُوحِهِ كَمَا عُرِجَ بِرُوحِ مُوسَى وَغَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُقْطَعَ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلُهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْسَنُ كَمَا يَأْسَنُ الْبَشَرُ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ مَاتَ فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ أَيُمِيتُ اللَّهُ أَحَدَكُمْ إِمَاتَةً وَيُمِيتُ رَسُولَهُ إِمَاتَتَيْنِ، وَهُوَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ فَلَيْسَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهُ التُّرَابَ فَيُخْرِجَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَا مَاتَ حَتَّى تَرَكَ السَّبِيلَ نَهْجًا وَاضِحًا

أَحَلَّ الْحَلَالَ وَحَرَّمَ الْحَرَامَ، وَنَكَحَ وَطَلَّقَ وَحَارَبَ وَسَالَمَ فَأَنْتُمْ أصحابه، وقالوا تربصوا نبيكم لعله علج بِرُوحِهِ، فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى رَبَا بَطْنُهُ فَابْتَدَأَ أَبُو بَكْرٍ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ فَاسْتَرْجَعَ، وَقَالَ: مَاتَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَرَفَعَ رَأَسَهُ وَقَالَ: وَانَبِيَّاهْ ثُمَّ قَبَّلَ جَبْهَتَهُ وَرَفَعَ رَأَسَهُ وَقَالَ وَاخَلِيلَاهْ، ثُمَّ قَبَّلَ جَبْهَتَهُ وَرَفَعَ رَأَسَهُ وَقَالَ: وَاصَفِيَّاهْ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ وَبَكَى وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَطْيَبَ حَيَاتَكَ وَأَطْيَبَ مِيتَتَكَ لَأَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَجْمَعَ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، فَأَمَّا الموتة التي كتبت عليها فقدمتها ثُمَّ سَجَّاهُ بِثَوْبِهِ وَخَرَجَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعُمَرُ فِي كَلَامِهِ، وَتَوَعُّدِهِ لِلنَّاسِ فَسَكَّتَهُ أَبُو بَكْرٍ فَسَكَتَ ثُمَّ صَعِدَ أَبُو بَكْرٍ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: ٣٠] . ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: ١٤٤] ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَّا حِينَ تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ عُمَرُ: هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ، فَتَلَقَّاهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا سُمِعَ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا، وقال عمر ما حملني على مقالتي إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا

<<  <  ج: ص:  >  >>