إِلَيْهَا، وَحَضَرَ غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْبَعَةٌ، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَتَفَرَّدَ عَلِيٌّ بِغَسْلِهِ وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَسْتُرُ عَلَيْهِ الثَّوْبَ وَكَانَ الْفَضْلُ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ وَكَانَ أُسَامَةُ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِمْ بِالْمَاءِ، وَلَمَّا أَرَادُوا نَزْعَ قَمِيصِهِ لِغَسْلِهِ سَمِعُوا هَاتِفًا يَقُولُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنَ شَخْصَهُ: غَسِّلُوهُ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَلَا تَنْزِعُوهُ عَنْهُ، فَغُسِّلَ فِيهِ وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ غِلَاظٍ يَمَانِيَّةٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ، وَحُنِّطَ وَكَانَ فِي حَنُوطِهِ مِسْكٌ
وَلَمَّا فُرِغَ مِنْ إِكْفَانِهِ وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ وَدَخَلَ النَّاسُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ أَفْوَاجًا، لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ، لِأَنَّهُ كَانَ إِمَامَ الْأُمَّةِ حَيًّا وَمَيِّتًا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَنُو هَاشِمٍ ثُمَّ الْمُهَاجِرُونَ ثُمَّ الْأَنْصَارُ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الرِّجَالِ ثُمَّ النِّسَاءُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ. وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَعَهُمَا نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَسَلَّمَ النَّاسُ كَمَا سَلَّمَا، ثُمَّ قَالَا: إِنَّا نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ جُمْلَةً إِلَيْهِ. وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ دِينَهُ وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّهِ فَاجْعَلْنَا يَا إِلَهَنَا مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْقَوْلَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ حَتَّى يعرفنا ونعرفه فإنه كان بالمؤمنين رؤوفا رَحِيمًا لَا نَبْتَغِي بِالْإِيمَانِ بَدَلًا، وَلَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا أَبَدًا فَقَالَ النَّاسُ آمِينَ آمِينَ وَتَفَرَّقُوا
ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَهُمْ فَوْجٌ بَعْدَ فَوْجٍ، وَابْتَدَأَ النَّاسُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ زَاغَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ إِلَى أَنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ قَبْرِهِ فَقَالَ قَائِلٌ: عِنْدَ الْمِنْبَرِ
وَقَالَ قَائِلٌ: حَيْثُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ
وَقَالَ قَائِلٌ: يُدْفَنُ مَعَ أَصْحَابِهِ بِالْبَقِيعِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ادْفِنُوهُ حَيْثُ قَبَضَهُ اللَّهُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: مَا مَاتَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَضُ فَرُفِعَ فَرَاشُهُ الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ فَدُفِنَ تحته
وكانت عائشة تقول لِأَبِي بَكْرٍ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ ثلاثة أقمار سقطن في حجري، فَلَمَّا دُفِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حُجْرَتِهَا قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ وَهُوَ خَيْرُهَا
وَاخْتَلَفُوا فِي حَفْرِ قَبْرِهِ لَحْدًا كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ ضَرِيحًا كَأَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يُلْحِدُ، وَأَبُو عُبَيْدَة بْنُ الْجَرَّاحِ يُضْرِحُ، فَأَنْفَذَ الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ أَحَدَهُمَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ وَالْآخَرَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِنَبِيِّكَ فَسَبَقَ مَجِيءُ أَبِي طَلْحَةَ، فَحَفَرَ لَهُ لَحْدًا فَأَخَذَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الِاخْتِيَارِ
وَقَدْ رَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " اللَّحْدُ لَنَا، وَالشِّقُّ لِغَيْرِنَا "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute