وَدَخَلَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَرَضِهِ فَقَالَ: يَا فَضْلُ؛ شُدَّ هَذِهِ الْعِصَابَةَ عَلَى رَأْسِي وَنَهَضَ عَلَى يَدِهِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثَمَّ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَصَبْتُ مِنْ عِرْضِهِ شَيْئًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَقْتَصَّ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَصَبْتُ مِنْ بَشَرِهِ شَيْئًا فَهَذَا بَشَرِي فَلْيَقْتَصَّ وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَصَبْتُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَوْلَاكُمْ بِي رَجُلٌ كَانَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَأَخَذَهُ أَوْ حَلَّلَنِي، فَلَقِيتُ رَبِّي وَأَنَا مُحَلَّلٌ، وَلَا يَقُولَنَّ رَجُلٌ: إِنِّي أَخَافُ الْعَدَاوَةَ وَالشَّحْنَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ طَبِيعَتِي وَلَا خُلُقِي، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِي عِنْدَكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَا أُكَذِّبُ قائلا ولا مستخلفه عَلَى يَمِينٍ، فِيمَ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي؟ قَالَ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّهُ مَرَّ بِكَ سَائِلٌ فَأَمَرْتَنِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ. قَالَ صَدَقَ، أَعْطِهَا إِيَّاهُ يَا فَضْلُ
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي مَرَضِهِ هَذَا: يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ اعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ إِنِّي لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا سَلُونِي مَا شِئْتُمْ فَلَمَّا حَلَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَوْتُ قَالَ: يَا نَفْسُ مَا لَكِ تَلُوذِينَ كُلَّ مَلَاذٍ، وَكَانَ عِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ فَكَانَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ وَيَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ ثُمَّ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ " ثم مات - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَفِي بَيْتِي وَدَوْلَتِي وَلَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَاتَ وَقَدْ أَسْنَدْتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى مَنْكِبِي فَقَالَ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، قَالَ كَعْبٌ: كَذَلِكَ آخِرُ عَهْدِ الْأَنْبِيَاءِ وَبِهِ أُمِرُوا وَعَلَيْهِ يُبْعَثُونَ، ثُمَّ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حَبِرَةٍ، وَكَانَ بَدْءُ مَرَضِهِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ، وَقِيلَ: لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْهُ، وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ حَتَّى زَاغَتِ الشَّمْسُ، وَهُوَ مِثْلُ الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ إِلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا، لِأَنَّهُ دَخَلَهَا فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يوم الاثنين ونبىء يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَرَفَعَ الْحَجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مُهَاجِرًا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَقُبِضَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. فَكَانَ مُدَّةُ مَرَضِهِ ثَلَاثَةَ عشرة يَوْمًا، وَنَزَلَ عَلَى حَالِهِ مُسَجًّى لَمْ يُدْفَنْ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمِ الثُّلَاثَاءِ وَدُفِنَ فِي آخِرِهِ، وَقِيلَ: فِي اللَّيْلِ بَعْدَ أَنْ رَبَا قَمِيصُهُ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَاخْضَرَّتْ أَظْفَارُهُ وَكَانَ لَهُ يَوْمَ مَاتَ فِي رِوَايَةِ الجمهور ثلاثة وَسِتُّونَ سَنَةً. أَقَامَ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ هِجْرَتِهِ إِلَيْهَا عَشْرَ سِنِينَ يَخْرُجُ فِيهَا إِلَى غَزَوَاتِهِ ويعود
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute