للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ:

وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي صِحَّتِهِ إِنْ لَمْ أَدْفَعْ إِلَيْكَ مَهْرَكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ لَمْ يَدْفَعْهُ إِلَيْهَا حَتَّى مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِالْحِنْثِ وَلَوْ ماتت قَبْلَهَا وَرِثَتْهُ؛ لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فِي الْمَرَضِ، وَلَوْ مَاتَتْ فَاخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَوَارِثُهَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ كُنْتُ دَفَعْتُ إِلَيْهَا مَهْرَهَا فِي حَيَاتِهَا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ، وَلِيَ الْمِيرَاثُ، وَقَالَ وَارِثُهَا: مَا دفعت إِلَيْهَا وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْكَ وَلَا مِيرَاثَ لَكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي أن لا يَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ فِي بَقَاءِ الْمَهْرِ، فَإِذَا حَلَفَ الزَّوْجُ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ الْمَهْرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أن لا طَلَاقَ، وَإِذَا حَلَفَ الْوَارِثُ حُكِمَ لَهُ بِالْمَهْرِ؛ لأن الأصل بقاء المهر.

[فصل:]

وإذا لا عن الزَّوْجُ مِنِ امْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ لَمْ تَرِثْهُ سَوَاءٌ كَانَ لِعَانُهُ عَنْ قَذْفٍ فِي الصِّحَّةِ أَوْ عَنْ قَذْفٍ فِي الْمَرَضِ، وَقَالَ أبو يوسف: تَرِثُهُ كَالْمُطَلَّقَةِ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ قَذْفٍ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ، وَقَالَ الحسن بن زياد اللؤلؤي إِنْ كَانَ عَنْ قَذْفٍ فِي الصِّحَّةِ لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ قَذْفٍ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْهُ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ تَبَعٌ لنفي النسب وسقوط الحد وذاك مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ حَالُ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَالْفُرْقَةُ فِي الطَّلَاقِ مَقْصُودَةٌ فَجَازَ أَنْ يَفْتَرِقَ حُكْمُهَا فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ سُقُوطَ الْمِيرَاثِ بِنَفْيِ النَّسَبِ أَغْلَظُ مِنْ سُقُوطِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فلما كان في نَفْي النَّسَبِ بِاللِّعَانِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءً فِي سُقُوطِ الْمِيرَاثِ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءً في سقوط الميراث.

فإن قيل: فلم لا كَانَ نَفْيُ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ فِي حَالِ الْمَرَضِ مانعا من الميراث كالطلاق فِي الْمَرَضِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْمِيرَاثِ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرِ اللِّعَانِ مَا يَنْفِي عَنْهُ التُّهْمَةَ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرِ الطَّلَاقِ مَا يَنْفِي عَنْهُ التُّهْمَةَ فَافْتَرَقَا.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا إِذَا آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِيهِ لِأَجْلِ إِيلَائِهِ وَرِثَتْ كَمَا تَرِثُ بِالطَّلَاقِ فِي غير الإيلاء بِخِلَافِ اللِّعَانِ وَلَوْ كَانَ آلَى مِنْهَا فِي الصحة ثم طلقها في المرض لم يتقدم مِنْ إِيلَائِهِ فِي الصِّحَّةِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَمُطَالَبَتُهُ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ مِنْ فَيْئِهِ أَوْ طلاق فهذه لا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا مُخْتَارًا فَصَارَ مُتَّهَمًا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَبْلَ مُطَالَبَةِ الزَّوْجَةِ لَهُ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ فَهَذِهِ تَرِثُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَصَارَ مُتَّهَمًا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ بَعْدَ مطالبته بالفيئة أو الطلاق ففيها إِذَا وَرِثَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْموْلي إِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ هَلْ يُطَلَّقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ جَبْرًا أَمْ لَا؟ فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ جَبْرًا فَعَلَى هَذَا لا ميراث لها؛ لأنه طَلَاقَهَا كَانَ وَاجِبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ لأوجبه الحاكم جبرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>