للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدًا، فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْ بِهَا أَحَدًا ضَمِنَهَا، لأنه قد ربما أدركته منيته فلو يوصل إليها، فصار بذلك تَغْرِيرًا، وَإِنْ أَعْلَمَ بِهَا ثِقَةً مُؤْتَمَنًا صَحَّ، وَهَلْ يُرَاعَى فِي الْإِعْلَامِ بِهَا حُكْمَ الشَّهَادَةِ أَوْ حُكْمَ الِائْتِمَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: حُكْمُ الشَّهَادَةِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَيَرَى الشَّاهِدَانِ ذَلِكَ عِنْدَ دَفْنِهِ لِيَصِحَّ تَحَمُّلُهُمَا لِذَلِكَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ خَرَجَ عَنِ التَّعَدِّي، وَسَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَأْذَنَ لِلشَّاهِدَيْنَ فِي نَقْلِهَا عِنْدَ الْخَوْفِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ حُكْمُ الِائْتِمَانِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُعْلِمَ بِهَا وَاحِدًا ثِقَةً، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَرَاهَا، وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي نَقْلِهَا إِنْ حَدَثَ بِمَكَانِهَا خَوْفٌ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ فَضْلِ الِاسْتِظْهَارِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ، لِمَا فِي نَقْلِهَا مِنَ التَّعْرِيضِ لِلْأَخْطَارِ، فَإِنْ نَقَلَهَا الْمُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَ حُدُوثِ الْخَوْفِ بِمَكَانِهَا فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، هَلْ يَكُونُ إِعْلَامُهُ بِهَا يَجْرِي مَجْرَى الْخَبَرِ، أَوْ مَجْرَى الْأَمَانَةِ؟ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْخَبَرِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْلُهَا، فَإِنْ نَقَلَهَا ضَمِنَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا، وَأَنْ يَكُونَ بَعِيدًا عَنْهَا، وَلَيْسَ لَهُ يَدٌ عَلَيْهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى الْأَمَانَةِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لَهُ نَقْلُهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا وَلَا أَنْ يَبْعُدَ عَنْهَا، وَتَكُونُ يَدُهُ عَلَيْهَا، فَأَمَّا إِذَا دَفَنَهَا عَلَى مَا وَصَفْنَا مَعَ وُجُودِ حَاكِمٍ مَأْمُونٍ، أَوْ عَدْلٍ مَوْثُوقٍ بِهِ يُودِعُهَا عِنْدَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ إِنْ فَعَلَ.

وَالثَّانِي: يَجُوزُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا إِذَا تَرَكَ الْوَدِيعَةَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: " يَضْمَنُ " وَلَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ إِذَا كَانَ مَالِكُهَا حَاضِرًا، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ إِلَى الْحَاكِمِ مَعَ وُجُودِ صَاحِبِهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ إِذَا لَمْ يُعْلِمْ صَاحِبَ بَيْتِ الْمَالِ بِهَا وَلِمَنْ هِيَ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِهَا وَلِمَنْ هِيَ لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَا يُجَوِّزُ دَفْعَهَا إِلَى الْحَاكِمِ مَعَ حُضُورِ صَاحِبِهَا.

مَسْأَلَةٌ:

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا ثُمَّ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ لِخُرُوجِهِ بِالتَّعَدِّي مِنَ الْأَمَانَةِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ التَّعَدِّيَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ ضَمَانُ الْوَدِيعَةِ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: التَّفْرِيطُ فِي الْحِرْزِ، ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَضَعَهَا فِي غير حرز أن يَكُونُ قَدْ وَضَعَهَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>