الْأَحْكَامِ كُلِّهَا بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ لِعَانُهَا بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ جُنُونُهَا مِنْ لِعَانِهِ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ، فَهُوَ غَيْرُ مُطَالَبٍ بحد القذف، أو تغريره مَا كَانَتْ فِي جُنُونِهَا، وَفِي جَوَازِ لِعَانِهِ مِنْهَا قَبْلَ إِفَاقَتِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ - إنَّهُ يلاعن ليتعجل به سقوط الحد اوالتغرير وَلِيَسْتَفِيدَ بِهِ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ وَتَحْرِيمَ التَّأْبِيدِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ مَا لم تطالب بالحد أو التغرير، وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْمُطَالَبَةِ بِهِ مَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ عَلَى جُنُونِهَا، وَلَا مَعْنَى لِاسْتِفَادَةِ الْفُرْقَةِ به لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَاسْتُغْنِيَ بِهِ من اللعان.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ طَلَبَهُ وَلِيُّهَا أَوْ كَانَتِ امْرَأَتُهُ أَمَةً فَطَلَبَهُ سَيِّدُهَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا كَانَتِ الْمَقْذُوفَةُ مَجْنُونَةً، فَطَلَبَ وَلَيُّهَا حَدَّ الْقَاذِفِ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَطَالَبَهُ سَيِّدُهَا فَلَا حَقَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِحَدٍّ وَلَا لِعَانٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى طَلَبِهَا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مَوْضُوعٌ لِلتَّشَفِّي فَكَانَ مَوْقُوفًا عَلَى مُطَالَبَتِهَا دُونَ الْوَلِيِّ كَالْقِصَاصِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ دُونَ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، كَمَا لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَسَمِ وَلَا يَحِقُّ الْإِيلَاءُ وَمِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَارَقَ المطالبة بحقوق الأموال.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ فَطَلَبَهُ وَلِيُّهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَعِنَ أَوْ يُحَدَّ لِلْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ وَيُعَزَّرَ لِغَيْرِهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَهُوَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمَوْرُوثَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَلَا تُوَرَّثُ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:
أحدهما: أنه حد لا يرجع إلى مال فَأَشْبَهَ حَدَّ الزِّنَا: وَلِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ مُتَقَابِلَانِ لِتَنَافِي اجْتِمَاعِهِمَا فِي الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ، ثُمَّ كَانَ حَدُّ الزِّنَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تُوَرَّثُ فَكَذَلِكَ حَدُّ الْقَذْفِ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّهُ حَقٌّ عَلَى الْبَدَنِ إِذَا ثَبَتَ بِاعْتِرَافِهِ لَمْ يَسْقُطْ بِرُجُوعِهِ فَوَجَبَ أَنْ