[باب إقطاع المعادن وغيرها]
[مسألة]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَفِي إِقْطَاعِ الْمَعَادِنِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُخَالِفُ إِقْطَاعَ الْأَرْضِ لِأَنَّ مَنْ أَقْطَعَ أَرْضًا فِيهَا مَعَادِنُ أَوْ عَمِلَهَا وَلَيْسَتْ لأحدٍ سواءٌ كَانَتْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ نُحَاسًا أَوْ مَا لَا يَخْلُصُ إِلَا بمؤنةٍ لِأَنَّهُ باطنٌ مستكنٌّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ ترابٍ أَوْ حجارةٍ كَانَتْ هَذِهِ كَالْمَوَاتِ فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُقْطِعَهُ إِيَّاهَا ومخالفةٌ لِلْمَوَاتِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّ الْمَوَاتَ إِذَا أُحْيِيَتْ مَرَّةً ثَبَتَ إِحْيَاؤُهَا وَهَذِهِ فِي كُلِّ يومٍ يُبْتَدَأُ إِحْيَاؤُهَا لِبُطُونِ مَا فِيهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَعَادِنَ ضَرْبَانِ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ وَذَكَرْنَا أَنَّ الظَّاهِرَةَ مِنْهَا لَا يَجُوزُ إِقْطَاعُهَا، فَأَمَّا الْبَاطِنَةُ وَهِيَ الَّتِي لَا شَيْءَ فِي ظَاهِرِهَا حَتَّى تُحْفَرَ أَوْ تُقْطَعَ فَيَظْهَرَ مَا فِيهَا بِالْحَفْرِ وَالْقَطْعِ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ، سَوَاءٌ احْتَاجَ مَا فِيهَا إِلَى سَبْكٍ وَتَخْلِيصٍ كَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذَلِكَ كَالتِّبْرِ مِنَ الذَّهَبِ، فَفِي جَوَازِ إِقْطَاعِهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ إِقْطَاعَهَا لَا يَجُوزُ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِيهَا شَرْعٌ يَتَسَاوَى جَمِيعُهُمْ فِي تَنَاوُلِ مَا فِيهَا كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَتَسَاوَى النَّاسُ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ إِقْطَاعُهَا، لِأَنَّ مَا فِيهَا جَمِيعًا مَخْلُوقٌ يُوصَلُ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ وَيُمْلَكُ بِالْأَخْذِ، فَعَلَى هَذَا يَسْتَوِي حَالُ الْمُقْطِعِ وَغَيْرِهِ فِي تَنَاوُلِ مَا فِيهَا كَمَا لَوْ أَقْطَعَ الْمَعَادِنَ الظَّاهِرَةَ وَلَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِهَا مَنْ لَمْ يَسْتَقْطِعْهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ إِقْطَاعَهَا جَائِزٌ وَالْقَطْعُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ، رَوَى كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أقطع بلال بن الحرث الْمُزَنِيَّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزرع من مدهن وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ إِنَّ جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: وَهُوَ قول أبي عبيد وابن قتيبة أن الغور مَا كَانَ مِنْ بِلَادِ تِهَامَةَ وَالْجَلْسَ مَا كَانَ مِنْ بِلَادِ نَجْدٍ.
قَالَ الشَّمَّاخُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute