[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَكُونُ اللِّعَانُ إِلَّا عِنْدَ سُلْطَانٍ أَوْ عُدُولٍ يَبْعَثُهُمُ السُّلْطَانُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ اللِّعَانِ وَثُبُوتِ حُكْمِهِ أَنْ يَكُونَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَمَشْهَدِهِ، وَلَا يَصِحُّ لِعَانُ الزَّوْجَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ، وَبَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَسْتَنِيبُهُ عَنْهُ شَرْطًا فِيهِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ عِنْدِنَا، وَشَهَادَةٌ عِنْدَ غَيْرِنَا، وَلَا يَثْبُتُ حُكْمٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الْحُقُوقِ إِلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ قَدْ تَتَعَلَّقُ بِهِ حُدُودٌ لَا يَسْتَوْفِيهَا وَيُقِيمُهَا إِلَّا الْحَاكِمُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَلِأَنَّهُ فِيمَنْ صَحَّ لِعَانُهُ خِلَافٌ وَلَا يَتَقَرَّرُ إِلَّا بِالْحُكْمِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ فِي نَفْيِ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ مُسَمًّى فِي قَذْفٍ، فَلَمْ يَتَوَلَّاهُ إِلَّا الْحَاكِمُ لِيَنُوبَ عَمَّنْ غَابَ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ اللِّعَانَ مَوْضُوعٌ لِلْفُرْقَةِ، فَكَانَ مُلْحَقًا إِمَّا بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْفَسْخِ وَلَيْسَ الْحَاكِمُ شَرْطًا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
قِيلَ: قَدْ يَتَعَلَّقُ بِاللِّعَانِ مِنَ الْأَحْكَامِ فِي الْحُدُودِ وَنَفْيِ النَّسَبِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِطَلَاقٍ وَلَا فَسْخٍ، عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْفُسُوخِ مَا لَا يَصِحُّ إِلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَكَانَ اللِّعَانُ أَوْلَى.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِمَامَ أَوِ الْحَاكِمَ أَوْ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ أَحَدُهُمَا شَرَطَا فِي صِحَّةِ اللِّعَانِ فتفرد الزوجان بِهِ فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ عَلَى خَلْوَةٍ، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ اللِّعَانِ لَا فِي وُقُوعِ فُرْقَةٍ وَلَا فِي سُقُوطِ حَدٍّ، وَفِي نَفْيِ نَسَبٍ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَهَكَذَا لَوْ حَضَرَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَسَبَقَا بِاللِّعَانِ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُمَا لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَسْتَأْنِفَاهُ [عَنْ أَمْرِهِ لِأَنَّهُ يَمِينٌ عِنْدِنَا، وَشَهَادَةٌ عِنْدَ غَيْرِنَا، وَلَا يَجُوزُ الْيَمِينُ قَبْلَ الِاسْتِحْلَافِ، وَالشَّهَادَةُ] قَبْلَ الِاسْتِشْهَادِ.
فَلَوْ حَكَّمَا رَجُلًا رَضِيَاهُ لِيُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا كَانَ التَّحْكِيمُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ ما عدا الحدود واللعان جائز، فَقَدِ اتَّفَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى تَحْكِيمِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي مُنَازَعَةٍ بَيْنَهُمَا فَحَكَمَ عَلَيْهِمَا.
وَرُوِيَ أَنَّ وَفْدًا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وفيهم رجل يكنى أبا الحكم، فقال: لما كُنِّيتَ أَبَا الْحَكَمِ، فَقَالَ: لِأَنَّ قَوْمِي يُحَكِّمُونِي بَيْنَهُمْ فَأَحْكُمُ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَلَا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْ بَعْدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute