أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَضْمَنَ لِشَخْصٍ جَازَ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ حَقًّا آخَرَ.
وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَكُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ مَرْهُونٌ بِالْحَقِّ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ الْحَقَّ إِلَّا جُزْءًا مِنْهُ كَانَ الرَّهْنُ كُلُّهُ مَرْهُونًا فِي الْجُزْءِ الْبَاقِي مِنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِيرَ مَرْهُونًا بِحَقٍّ آخَرَ لِاشْتِغَالِهِ بِالْحَقِّ الْأَوَّلِ كَمَنْ أَجَرَ دَارًا سَنَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَاجِرَهَا ثَانِيَةً لِاشْتِغَالِهَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ.
وَلِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْحَقِّ. فَلَوْ جَازَ إِدْخَالُ حَقٍّ ثَانٍ عَلَى الرَّهْنِ لَصَارَ الرَّهْنُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْحَقِّ.
وَلِأَنَّ الرَّهْنَ يَتْبَعُ الْبَيْعَ لِاقْتِرَانِهِ بِهِ، وَاشْتِرَاطِهِ فِيهِ. فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ إِذَا ابْتَاعَ شَيْئًا أَنْ يَبْتَاعَهُ ثَانِيَةً مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ. لَمْ يَجُزْ إِذَا ارْتَهَنَ شَيْئًا أَنْ يَرْتَهِنَهُ ثَانِيَةً مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الضَّمَانِ:
فَالْمَعْنَى فِيهِ أن الضمان لا يستغرق ذمة الضامن بدليل أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ لِشَخْصٍ آخَرَ فَجَازَ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ حَقًّا آخَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدِ اسْتَغْرَقَهُ ... أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا عِنْدَ شَخْصٍ آخَرَ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْتَهِنَهُ بِحَقٍّ آخَرَ.
وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ دُخُولِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْجِنَايَةِ:
أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَطْرَأَ أَرْشٌ عَلَى أَرْشِهِ، جَازَ أَنْ يَطْرَأَ أَرْشُهُ عَلَى أَرْشِهِ وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَطْرَأَ رَهْنُ غَيْرِهِ عَلَى رَهْنِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَطْرَأَ رَهْنُهُ عَلَى رَهْنِهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْمُرْتَهِنِ إِذَا فَدَاهُ مِنْ جِنَايَتِهِ وَصَارَ مَرْهُونًا بِهِمَا:
فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَوَاءٌ وَكِلَاهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ. فَعَلَى هَذَا سَقَطَ السُّؤَالُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يَجُوزُ فِي الْجِنَايَةِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجِنَايَةَ إِذَا طَرَأَتْ عَلَى الرَّهْنِ صَارَ الرَّهْنُ مَعْلُولًا بِهَا لِتَعَرُّضِهِ لِلْفَسْخِ فَجَازَ أَنْ يُزَادَ فِي الْحَقِّ كَالْبَيْعِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ لَمَّا كَانَ مُعَرَّضًا لِلْفَسْخِ جَازَ أَنْ يُزَادَ فِي الثَّمَنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ مُعَرَّضٍ لِلْفَسْخِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَادَ فِي الْحَقِّ كَالْبَيْعِ بَعْدَ تَقَضِّي الْخِيَارِ لِمَا لَمْ يَكُنْ مُعَرَّضًا لِلْفَسْخِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَادَ فِي الثَّمَنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ فِي ارْتِهَانِهِ بِمَا قَدْ فَدَاهُ مَنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ استصلاح لِرَهْنِهِ فَجَازَ أَنْ يَرْتَهِنَهُ بِهَا