[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَوَلَدُ الزِّنَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ صِحَّةَ الْأَنْسَابِ فِي عِتْقِ الْكَفَّارَاتِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؟ وَلِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَنِهِ وَصِحَّةَ عَمَلِهِ مماثلٌ لِذَوِي الْأَنْسَابِ؟ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَيْبًا فِي نُقْصَانِ ثَمَنِهِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ عَيْبًا فِي إِجْزَاءِ عِتْقِهِ، وَأَحْسَبُ الشَّافِعِيَّ قَالَ ذَلِكَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافٍ شَذَّ مِنْ بَعْضِ السَّلَفِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ " وَلَا دَلِيلَ فِيهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ شَرُّهُمْ نَسَبًا.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ شَرُّهُمْ إِذَا زَنَا لِأَنَّهُ صَارَ مَعَ شَرِّ نَسَبِهِ زانياً.
قال الشافعي: " وَكُلُّ ذِي نقصٍ بعيبٍ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ إِضْرَارًا بَيِّنًا مِثْلُ الْعَرَجِ الْخَفِيفِ وَالْعَوَرِ وَالشَّلَلِ فِي الْخِنْصَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُجْزِئُ الْمُقْعَدُ وَلَا الْأَعْمَى وَلَا الْأَشَلُّ الرِّجْلِ وَيُجْزِئُ الْأَصَمُّ وَالْخِصِيُّ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَيْسَ بِهِ مرضٌ زمانةٍ مِثْلُ الْفَالَجِ وَالسُّلِّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ عِتْقَ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فَاقْتَضَى إِطْلَاقُهَا أَحَدَ أَمْرَيْنِ إِمَّا السَّلَامَةُ مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ كَالْغِرَّةِ فِي الْجَنِينِ وَالْإِبِلِ مِنَ الدِّيَةِ، وَإِمَّا جَوَازُهَا مَعَ كُلِّ الْعُيُوبِ اعْتِبَارًا بِمُطْلَقِ الِاسْمِ كَالنُّذُورِ، لَكِنِ انْعَقَدَ فِيهَا إجماعٌ منع من اعتبار أحمد هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْعُيُوبِ مَا يُجْزِئُ، وَهِيَ الْعَوْرَاءُ وَالْبَرْصَاءُ وَالْجَدْعَاءُ، وَمِنْ ذَوَاتِ الْعُيُوبِ مَا لَا يُجْزِئُ، وَهِيَ الْعَمْيَاءُ وَالْقَطْعَاءُ وَالشَّلَّاءُ فَاعْتَبَرْنَا مَعْنَى مَا أَجَازُوهُ، وَمَعْنَى مَا رَدُّوهُ، فَوَجَدْنَاهُمْ قَدْ أَجَازُوا مِنْهَا مَا لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ إِضْرَارًا بَيِّنًا وَرَدُّوا مِنْهَا مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ إِضْرَارًا بَيِّنًا، فَصَارَ هَذَا أَصْلًا عَقَدَهُ الْإِجْمَاعُ فِي الْكَفَّارَةِ خَارِجًا عَنِ الْأَصْلَيْنِ فِي إِطْلَاقِهَا فَاعْتَبَرُوا كَمَالَ الْمَنْفَعَةِ دُونَ كَمَالِ الصِّفَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعِتْقِ تَمْلِيكُ الرَّقَبَةِ مَنَافِعَ نَفْسِهَا، فَاعْتَبَرْنَا كَمَالَ مَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ التَّمْلِيكُ مِنَ الْمَنَافِعِ دُونَ الصِّفَاتِ، فَإِذَا صَارَ هَذَا أَصْلًا مُعْتَبَرًا انْسَاقَ عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ، فَقُلْنَا: إِنَّ الْعَوْرَاءَ تُجْزِئُ بِكَمَالِ مَنَافِعِهَا؟ وَإِنَّهَا تُدْرِكُ بِإِحْدَى الْعَيْنَيْنِ مَا تُدْرِكُهُ بِهِمَا، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ بِالْعَوْرَاءِ قِيلَ: لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ كَمَالَ اللَّحْمِ وَاسْتَطَابَتِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَوَرُ مُؤَثِّرٌ فِيهِ، فَمَنَعَ مِنْهُ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِمَّا قَصَدَ بِهِ كَمَالَ الْمَنْفَعَةِ فِي الْعِتْقِ فَأُجِيزَ فِيهِ. وَإِذَا أَجْزَأَتِ الْعَوْرَاءُ فِي عِتْقِ الرَّقَبَةِ فَأَوْلَى أَنْ يُجْزِئَ عِتْقُ الْحَوْلَاءِ وَالْخَيْفَاءِ وَالْمَقْطُوعَةِ الْأَنْفِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْبَرْصَاءِ، لِأَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْعُيُوبِ غَيْرُ مُضِرَّةٍ بِالْعَمَلِ، وَكَذَلِكَ يُجْزِئُ عِتْقُ الْخَرْسَاءِ، وَعِتْقُ الصَّمَّاءِ، لِأَنَّ عَمَلَهَا كَامِلٌ وَالْإِشَارَةَ مَعَهُمَا تَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ، فإن لم يفهما الإشارة لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُمَا، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute