للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَكَذَا: لَوْ لَمْ يَرِثْ مَعَ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ غيرها لأن لكل واحدة منهما لو انْفَرَدَتِ النِّصْفَ، وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ.

فَعَلَى هَذَا: لَوْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَخٍ لِأُمٍّ، فَلَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ نِصْفُ السُّدُسِ، وَفِي الْآخَرِ السدس والله أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " (وَلَوْ قَالَ) ضِعْفُ مَا يُصِيبُ أَحَدُ وَلَدِي أعطيته مثله مرتين (وإن قَالَ) ضِعْفَيْنِ فَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مِائَةً أَعْطَيْتُهُ ثلثمائة فكنت قد أضعفت المائة التي تصيبه بمنزلة مرة بعد مَرَّةٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ ضِعْفِ نَصِيبِ أَحَدِ أَوْلَادِهِ، كان الضعف مثل أحد النصيبين.

فَإِنْ كَانَ نَصِيبُ الِابْنِ مِائَةً كَانَ لِلْمُوصَى له بالضعف مائتين، وبه قال جمهور الفقهاء وبه قال الْفَرَّاءِ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: الضِّعْفُ مثل واحد، فسوى بين المثل والضعف. وَبِهِ قَالَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، يضاعف لها العذاب ضعفين} .

فَلَمَّا أَرَادَ بِالضِّعْفَيْنِ مِثْلَيْنِ، عُلِمَ أَنَّ الضِّعْفَ الواحد مثل واحد.

واستدلوا على أن المراد بضعفي العذاب مثليه بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاقِبَ عَلَى السَّيِّئَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُجَازِي عَلَى الْحَسَنَةِ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: ٣١] .

فَعُلِمَ أَنَّ مَا جَعَلَهُ مِنْ ضِعْفِ الْعَذَابِ عَلَى السَّيِّئَةِ مَرَّتَيْنِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الضِّعْفَ وَالْمِثْلَ وَاحِدٌ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الضِّعْفَ مثلان هو اخْتِلَافَ الْأَسْمَاءِ تُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمُسَمَّى إِلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ وَلِأَنَّ الضِّعْفَ أَعَمُّ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْمِثْلِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَوى بَيْنَهُ وبين المثل.

ولأن انشقاق الضعف من المضاعفة، والتنبيه من قولهم أضعف الثَّوْبَ إِذَا طَوَيْتَهُ بِطَاقَتَيْنِ وَنَرْجِسٌ مُضَاعَفٌ: إِذَا كَانَ مَوْضِعُ كُلِّ طَاقَةٍ، طَاقَتَيْنِ وَمَكَانُ كُلِّ وَرَقَةٍ، وَرَقَتَيْنِ. فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الضِّعْفُ مِثْلَيْنِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَضْعَفَ الصَّدَقَةَ عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، أَيْ أَخَذَ مَكَانَ الصَّدَقَةِ صَدَقَتَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ:

(وَأَضْعَفَ عبد الله إذا كان حَظُّهُ ... عَلَى حَظِّ لَهْفَانٍ مِنَ الْخَرْصِ فَاغِرِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>