ودليلنا: ما روي أَنَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ، سَلَّمَ إِلَيْهِ الْمَالَ، فَنَقَصَ كَثِيرًا: فَقَالُوا لَهُ: نَقُصَ الْمَالُ، فَقَالَ: احْسِبُوا قَدْرَ الزَّكَاةِ وَالنُقْصَانِ، فَحَسبُوا فَوَافَقَ، فَقَالَ: أَتَرَانِي أَلِي مَالًا وَلَا أُخْرِجُ زَكَاتَهُ.
فَلَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا الْوَلِيُّ، لَزِمَ الْيَتِيمَ إِذَا بَلَغَ أَنْ يُخْرِجَهَا بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَنَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: حَقٌّ وَجَبَ بِاخْتِيَارٍ كَالدُّيُونِ، فَعَلَى الْوَلِيِّ قَضَاؤُهَا إِذَا ثَبَتَتْ وَطَالَبَ بِهَا أربابها، فإن أبرئوا مِنْهَا: سَقَطَتْ وَإِنْ أَمْسَكُوا عَنِ الْمُطَالَبَةِ مِنْ غَيْرِ إِبْرَاءٍ، نُظِرَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، فَإِنْ كَانَ نَاضًّا، أَلْزَمَهُمُ الْوَلِيُّ قَبْضَ دُيُونِهِمْ، أَوِ الْإِبْرَاءَ مِنْهَا، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتْلَفَ الْمَالُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ.
وَإِنْ كَانَ أَرْضًا أَوْ عَقَارًا، تَرَكَهُمْ عَلَى خِيَارِهِمْ فِي الْمُطَالَبَةِ بِدُيُونِهِمْ إِذَا شَاءُوا.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا وَجَبَ بِغَيْرِ اخْتِيَار، الجنايات وَهِيَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَى مَالٍ، فَيَكُونُ غُرْمُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ، كَالدُّيُونِ.
وَالثَّانِي: عَلَى نَفْسٍ، وَذَلِكَ ضَرْبَانِ، عَمْدٌ وَخَطَأٌ، فَإِنْ كَانَ خَطَأٌ فديَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، لَا فِي مَالِهِ.
وَإِنْ كَانَ عَمْدًا، فَفِيهِ قَوْلَانِ: مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي عَمْدِ الصَّبِيِّ هَلْ يَجْرِي مَجْرَى الْعَمْدِ، أو مجرى الخطأ:
أحدهما: أنه جاري مَجْرَى الْعَمْدِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الْخَطَأ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
فَأَمَّا الْكَفَّارَةُ: فَفِي مَالِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا.
وَقَالَ مَالِكٌ، وأبو حنيفة: " لَا كَفَّارَةَ عَلَى الصَّبِيِّ ".
فَهَذَا مَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ فِي حَقِّ الْيَتِيمِ.
فَصْلٌ:
فَأَمَّا شَهَادَةُ الْوَصِيِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَصِيَّةِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمُوصِي، فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَشْهَدَ لِلْمُوصِي، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ نَظَرٌ فِيمَا شهد به، كأن شَهِدَ لَهُ بِمَالٍ، أَوْ مِلْكٍ هُوَ وَصِيٌّ في تفريق ثلثه، أو ولاية على أطفال، فَشَهَادَتُهُ مَرْدُودَةٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَن لا يَكُونَ لَهُ نَظَرٌ فِيمَا شَهِدَ بِهِ. كَأَنَّهُ وَصِيٌّ فِي تَفْرِيقِ مَالٍ مُعَيَّنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَشَهِدَ لِلْمُوصِي بِمِلْكٍ لَا يَدْخُلُ فِي وَصِيَّتِهِ، وَلَيْسَ وارث، مثلا، فَيَكُونُ فِي وِلَايَتِهِ: فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ، لِأَنَّهُ لَا يجر بها نفعا.