للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ: أَنَّهُ يَضْمَنُ ثُلُثَ الثُّلُثِ، لِأَنَّ أقل الأجزاء ثلاثة، والظاهر مساوتهم فِيهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَضْمَنُ مِنَ الثُّلُثِ قدر ما لو دفعه إلى ثالث أخر، فَلَا يَنْحَصِرُ بِالثُّلُثِ، لَأَنَّ لَهُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ وَالتَّفْضِيلَ.

وَلَوْ كَانَ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ، فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ يَضْمَنُ ثُلُثَيِ الثُّلُثِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَضْمَنُ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُهُ فِي الدَّفْعِ إِلَيْهِمَا.

فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ: صرف الثلث في الصنفين بالتسوية ودفع السدس إلى الفقراء، وأقلهم ثلاثة، وإن صرفه في أحد الصنفين ضمن السدس للنصف الْآخَرِ وَجْهًا وَاحِدًا.

ثُمَّ عَلَيْهِ صَرْفُ الثُّلُثِ فِي فُقَرَاءِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ، دُونَ الْمَالِكِ، كَالزَّكَاةِ، فَإِنْ تَفَرَّقَ مَالُهُ: أَخْرَجَ فِي كُلِّ بَلَدٍ ثُلُثَ مَا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا فِيهِ، نُقِلَ إِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي زَكَاةِ الْمَالِ. فَأَمَّا زَكَاةُ الفطر ففيه وجهان:

أحدهما: أنها تُخْرَجُ فِي بَلَدِ الْمَالِ، دُونَ الْمَالِكِ كَزَكَاةِ الْمَالِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تُخْرَجُ فِي بَلَدِ الْمَالِكِ، دُونَ الْمَالِ، لِأَنَّهَا عَنْ فِطْرَةِ بَدَنِهِ، وطهور لِصَوْمِهِ.

فَإِنْ نَقَلَ الزَّكَاةَ عَنْ بَلَدِ الْمَالِ إِلَى غَيْرِهِ كَانَ فِي الْإِجْزَاءِ قَوْلَانِ.

فَأَمَّا نَقْلُ الْوَصِيَّةِ: فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: فَمِنْهُمْ مَنْ خرجه عَلَى قَوْلَيْنِ كَالزَّكَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُجْزِئُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ أَسَاءَ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَطِيَّةٌ مِنْ آدَمِيٍّ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَيْثُ شاء.

[فصل:]

فإذا فرق الثلث فيما وَصَفْنَا مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، لَمْ يَمْلِكُوهُ إِلَّا بالقبول وَالْقَبْضِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَهَكَذَا كُلُّ وَصِيَّةٍ عُلِّقَتْ بِصِفَةٍ لَا يَلْزَمُ اسْتِيعَابُ جِنْسِهَا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ كَانَ مُسَمًّى فِي الْوَصِيَّةِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ بِالْعَطِيَّةِ لَمْ يَمْلِكْ إِلَّا بِهَا، وَمَنْ تَعَيَّنَ بِالْوَصِيَّةِ مَلَكَ بِهَا.

مَسْأَلَةٌ:

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وكذلك لو أوصى لغازين في سبيل الله فهم الذين من الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ مَالُهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: إِذَا جُعِلَ ثُلُثُ مَالِهِ مَصْرُوفًا فِي الْغَارِمِينَ.

وَالْغَارِمُونَ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ اسْتَدَانُوا فِي الْمَصَالِحِ العامة كتحمل للدية " العمد " أَوْ غُرْمِ مَالٍ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، أو تيسير الحج، أو إصلاح سبيلهم.

فَهَذَا الصِّنْفُ مِنَ الْغَارِمِينَ، لَا يُرَاعَى فَقْرُهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَوْا مَعَ الْغِنَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>