وَالثَّانِي: أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ فَرَضَهَا عَلَى النَّاسِ، وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ لَقِيلَ فَرَضَ مَا عَلَى النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ لَصَحَّ، وَلِأَنَّهَا زَكَاةٌ وَجَبَتْ فَافْتُرِضَتْ كَزَكَاةِ الْمَالِ وَلِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ اتَّصَفَتْ بِهَا زَكَاةُ الْمَالِ اتَّصَفَتْ بِهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ كَالْوُجُوبِ.
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " فلم يفرضها إلا على المسلمين فالعبيد لا مال لهم وإنما فرضهم عَلَى سَيِّدِهِمْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
كُلُّ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا حُرًّا فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ إِذَا وَجَدَهَا بَعْدَ قُوتِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَاقِلًا، أَوْ مَجْنُونًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا، وَحُكِيَ عَنِ الحسن البصري وسيعد بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَلَّى وَصَامَ وَحُكِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ أَطَاقَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَجَمِيعُ الْفُقَهَاءِ تَعَلُّقًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَأَمَّا الْمُشْرِكُ فلا زكاة عليه، إجماعاً فأما الْعَبْدُ فَزَكَاةُ فِطْرِهِ عَلَى سَيِّدِهِ.
وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ هِيَ عَلَى الْعَبْدِ دُونَ سَيِّدِهِ تَعَلُّقًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فرض زكاة الفطر في رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تمرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شعيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وعبدٍ ذكرٍ وَأُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَرَضَهَا عَلَى الْعَبْدِ كَمَا فَرَضَهَا عَلَى الْحُرِّ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَيْهِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى سَيِّدِهِ، رِوَايَةُ عِرَاكِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هريرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صدقةٌ إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَأَثْبَتَ عَلَى السَّيِّدِ زَكَاةَ فِطْرِهِ نَصًّا.
وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ كُنَّا نُؤَدِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وأنثى صاعاً من طعام الحدث فَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا هَلْ وَجَبَتْ زَكَاةُ فطره ابتداء على سيده أو وجبت ابْتِدَاءً ثُمَّ يَحْمِلُهَا سَيِّدُهُ فَلَهُمْ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهَا وَجَبَتِ ابْتِدَاءً عَلَى سَيِّدِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ) فَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَرَضَهَا عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، فَمَعْنَاهُ عَنْ كل حر وعن كل عبد وقد يقوم عَلَى فِي اللُّغَةِ مَقَامَ عَنْ قَالَ الشَّاعِرُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute