وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ هَلْ يُعْمَلُ فِيهِ عَلَى الْيَقِينِ أَوْ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهُوَ نَفَقَةُ الْحَامِلِ فِي عِدَّتِهَا.
أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا عَلَى الْيَقِينِ وَأَنْ لَا يَدْفَعَ النَّفَقَةَ إِلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ كَالْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يكون ما ظن بها من الحمل غلطاً أَوْ رِيحًا فَانْفَشَّ وَلَا تَسْتَحِقُّ بِهِ نَفَقَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ إِيجَابُ حَقٍّ بِشَكٍّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَأَكْثَرِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ.
فَإِذَا قَالَ أَرْبَعَةٌ مِنْ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ مِنَ الْقَوَابِلِ إِنَّ بِهَا حَمْلًا حَكَمْنَا لَهَا بِالنَّفَقَةِ وَإِنْ جَازَ خِلَافُهُ فِي الْبَاطِنِ كَمَا قُلْنَا فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَالرَّدِّ بِعَيْبِهِ فِي الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ لَهَا النَّفَقَةَ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ حَيْثُ عُمِلَ فِيهَا عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَبَيْنَ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ حَيْثُ عُمِلَ فِيهِمَا عَلَى الْيَقِينِ أَنَّ النَّفَقَةَ تُسْتَحَقُّ بِالْحَمْلِ حَيًّا وَمَيِّتًا فَجَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَالْمِيرَاثُ وَالْوَصِيَّةُ مُتَعَلِّقَانِ بحياة فلم يتعلق إِلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ. فَإِذَا قِيلَ بِالْأَوَّلِ إِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْيَقِينِ وَقَفَ أَمْرُ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ، فَإِذَا وَضَعَتْ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا تَامًّا أَوْ نَاقِصًا أُعْطِيَتْ نَفَقَةَ مَا مَضَى لَهَا إِلَى أَنْ وَضَعَتْ وَلَا تُعْطَى النَّفَقَةَ فِي مُدَّةِ نِفَاسِهَا، لِأَنَّهَا تَحِلُّ فِيهِ لِعَقْدِ الْأَزْوَاجِ، وَإِذَا قِيلَ إِنَّهُ يُعْمَلُ فِيهِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ أُعْطِيَتْ نَفَقَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ، فَإِنْ وَلَدَتْ لِمُدَّةِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ تَحَقَّقَ اسْتِحْقَاقُهَا لِمَا أَحْدَثَ وَإِنِ انْفَشَّ مَا بِهَا أَوْ وَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا اعلم أَنَّهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ مَا أَحْدَثَ فَيَسْتَرْجِعُ جَمِيعَهُ إِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا اسْتَرْجَعَ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.
(الْقَوْلُ فِي نَفَقَةِ الْمُلَاعَنَةِ)
[(مسألة)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَنَفَاهُ وَقَذَفَهَا لَاعَنَهَا وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا نَفَى حَمْلَ زَوْجَتِهِ وَلَاعَنَ مِنْهَا بَعْدَ قَذْفِهِ صَحَّ لِعَانُهُ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيهِ. لِأَنَّ نَفْيَهُ تَبَعٌ لِرَفْعِ الْفِرَاشِ وَلَهَا السُّكْنَى فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ، لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ.
وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لِانْتِفَاءِ حَمْلِهَا عَنْهُ بِاللِّعَانِ فَصَارَتْ كَالْحَائِلِ سواء قيل إن النفقة لحملها أولها لِأَجْلِ الْحَمْلِ، فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ كَمَا لَوْ كَانَ لَاحِقًا بِهِ، فَهَلَّا وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ كَاللَّاحِقِ؟ قِيلَ: الْعِدَّةُ تَجِبُ لاستبراء الرحم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute