للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا رَجَعَ بِعَيْنِ مَالِهِ فِي الْحَجْرِ بِالْعَجْزِ حَتَّى لَا يَلْحَقَهُ نَقْصٌ وَصَاحِبُ الْوَفَاءِ قَدْ يَصِلُ جَمِيعُ غُرَمَائِهِ إِلَى دُيُونِهِمْ فَلَمْ يَلْحَقْ أَرْبَابَ الْأَعْيَانِ بِتَرْكِهَا نَقْصٌ.

(فَصْلٌ)

فَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُفْلِسِ أَعْيَانٌ لَمْ يُؤَدِّ أَثْمَانَهَا وَقَدْ زَادَتْ أَسْعَارُهَا فَإِنِ اسْتَرْجَعَهَا أَرْبَابُهَا عَجَزَ مَالُهُ عَنْ دَيْنِهِ وَإِنْ تَرَكُوهَا عَلَيْهِ كَانَ فِي مَالِهِ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْعَاجِزِ عَنْ دَيْنِهِ أَوْ حُكْمُ الْمَلِيءِ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْعَاجِزِ عَنْ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَعْيَانَ مُسْتَحَقَّةُ الِاسْتِرْجَاعِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ زِيَادَةُ أَثْمَانِهَا فِي مَالِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَلِيءِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَعْيَانَ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الِاسْتِرْجَاعِ فَكَانَتْ زِيَادَةُ أَثْمَانِهَا مِلْكًا لَهُ فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ أمَارَاتُ الْإِفْلَاسِ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَإِنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ أمَارَاتُ الْإِفْلَاسِ فَفِي وُجُوبِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَمَهَّدَ مَا ذَكَرْنَا فَكُلُّ غَرِيمٍ لِلْمُفْلِسِ ثَبَتَ دَيْنُهُ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ إِذَا لَمْ يَقْبِضِ الْبَائِعُ ثَمَنَهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يُسَلِّمْهَا إِلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى حُجِرَ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ فِيهَا وَيَأْخُذَ بِثَمَنِهَا وَلَهُ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ وَيُسَلِّمَهَا وَيَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِثَمَنِهَا وَهَذَا قَوْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَيْسَ يُعْرَفُ خِلَافٌ فِيهِ، وَعِنْدَ أبي حنيفة: يُقَدِّمُ بَائِعُهُ بِثَمَنِهَا.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَهَا وَخَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوِ اسْتِهْلَاكٍ فَالْبَائِعُ لَهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ يَضْرِبُ بِثَمَنِهَا مَعَهُمْ كَأَحَدِهِمْ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ وَبَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ بِهَا أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الْبَائِعَ أَحَقُّ بِهَا وَلَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا بِثَمَنِهَا وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمِنَ التَّابِعِينَ، عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرُّجُوعِ بِعَيْنِ مَالِهِ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرُبَّمَا أَسْنَدُوهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: أيما

<<  <  ج: ص:  >  >>