وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَنِ الْقَوَدِ إِلَى الدِّيَةِ وَكَانَ الرَّجُلُ الْآمِرُ مُعْسِرًا بِهَا وَالصَّبِيُّ الْقَاتِلُ مُوسِرًا بِهَا أُخِذَتِ الدِّيَةُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ الْقَاتِلِ وَكَانَتِ الدِّيَةُ دَيْنًا لِلصَّبِيِّ عَلَى الرَّجُلِ الْآمِرِ يَرْجِعُ بِهَا إِذَا أَيْسَرَ بِهَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ. لَا يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ الدِّيَةُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى غَيْرِهِ وَتَكُونُ دَيْنًا عَلَى الرَّجُلِ الْآمِرِ يُؤْخَذُ بِهَا إِذَا أَيْسَرَ.
(فَصْلٌ)
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ كُلِّفَ السَّيِّدُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ إِنَّ الْعَبْدَ يُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ إِذَا أَعْسَرَ السَّيِّدُ بِهَا، قِيلَ. أَمَّا أَبُو إِسْحَاقَ فَتَعَلَّقَ بِهَذَا مِنْ قَوْلِهِ - وَحَكَمَ فِي الْعَبْدِ بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَأَمَّا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِ وَقَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنَ الشَّافِعِيِّ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ لِمَ يَقُلْ: بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ، فَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ حُكْمًا بِبَيْعِهِ. وَإِنَّمَا قَالَ: بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ عَنْ حَالِهِ إِنْ بِيعَ بِرَأْيِ حَاكِمٍ أَوِ اجْتِهَادِ مُجْتَهِدٍ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ كُلِّفَ السَّيِّدُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ فَحَكَمَ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ إِذَا بِيعَ فِي جِنَايَتِهِ وَلَيْسَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا فَالْجِنَايَةُ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا وَلَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ غُرْمُ قِيمَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ يَكُونُ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ فَعَلَى السَّيِّدِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ بَلْ يَكُونُ عَلَى حَالِهِ رَهْنًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَعَلَى كِلَا الْحَالَيْنِ تَأْوِيلُ أَبِي عَلِيٍّ لَا يَصِحُّ وَقَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَصَحُّ.
قِيلَ قَدْ أَجَابَ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ هَذَا جَوَابَيْنَ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنَ السَّيِّدِ أَنَّهُ أَمَرَهُ ثُمَّ عُلِمَ بَعْدَ بَيْعِهِ أَنَّ السَّيِّدَ قَدْ كَانَ أَمَرَهُ بِهَا، فَلَمْ يُفْسَخِ الْبَيْعُ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُشْتَرِي وَأُخِذَ مِنَ السَّيِّدِ قِيمَتُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ السَّيِّدَ أَمَرَ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ إِلَّا بِقَوْلِ السَّيِّدِ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ أَمَرَهُ بِهَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ السَّيِّدِ فِي تَأْخِيرِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَيُبَاعُ الْعَبْدُ فِي الرَّهْنِ فَإِذَا أَيْسَرَ أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ عَنِ السُّؤَالِ حَسَنٌ عَلَى أَصْلٍ مِنَ المذهب صحيح.
[(مسألة)]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَلَوْ أُذِنَ لَهُ بِرَهْنِهِ فَجَنَى فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ فَأَشْبَهُ الْأَمْرَيْنِ أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ وَلَيْسَ كَالْمُسْتَعِيرِ الَّذِي مَنْفَعَتُهُ مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ عَنْ مُعِيرِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فِي رَجُلٍ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِحَقٍّ لَهُ عَلَيْهِ فَهَذَا جَائِزٌ لِأَمْرَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute