(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا: عَلَيْهِ ضَمَانُ الْغَبِينَةِ وَحْدَهَا وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ قَبَضَ مِنَ الْمُشْتَرِي الْخَمْسِينَ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ. فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا الثَّمَنَ فَقَدْ بَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْهَا لِأَنَّهُ دَفَعَهَا إِلَى مُؤْتَمَنٍ عَلَيْهَا وَلَيْسَ عَلَى الْعَدْلِ ضَمَانُهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهَا ثُمَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْغَبِينَةِ إِنْ شَاءَ عَلَى الْعَدْلِ لِأَنَّهُ بِدَفْعِ الرَّهْنِ صَارَ ضَامِنًا لَهَا وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي لأنه يقبض الرَّهْنِ صَارَ ضَامِنًا لَهَا.
فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَيْهِ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْعَشَرَةُ الَّتِي يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهَا لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ عَنْ بَيْعٍ فَاسِدٍ ضَامِنٌ عَلَى الصَّحِيحِ من المذهب ضمان غصب.
فإذا غرم الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ بِشَيْءٍ.
فَإِنْ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْعَدْلِ دُونَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَيْهِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، لِأَنَّهُ يَضْمَنُ بِالتَّفْرِيطِ فَلَمْ يَضْمَنْ إِلَّا قَدْرَ مَا فَرَّطَ فِيهِ وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ضَامِنٌ لَهَا فَيَصِيرُ الرَّاهِنُ رَاجِعًا عَلَى الْعَدْلِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَعَلَى الْمُشْتَرِي بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ لِلْعَدْلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْأَرْبَعِينَ الَّتِي غَرِمَهَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ضَامِنٌ لَهَا فَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ إِذَا كَانَ الْعَدْلُ قَدْ قَبَضَ الْخَمْسِينَ الثَّمَنَ.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْعَدْلُ لَمْ يَقْبِضْ مِنَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى الْعَدْلِ فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهِيَ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَى الْعَدْلِ.
وَإِنْ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْعَدْلِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا لَا غَيْرُ لِأَنَّهَا الْقَدْرُ الَّذِي ضَمِنَهُ بِالتَّفْرِيطِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِبَاقِي الْقِيمَةِ وَهُوَ سِتُّونَ دِرْهَمًا. وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْأَرْبَعِينَ الَّتِي غَرِمَهَا لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهَا.
وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْعَدْلَ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الْقِيمَةِ، فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْعَدْلِ إِنْ شَاءَ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي إِنْ شَاءَ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ ضَمَانَ غَصْبٍ وَلَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا مِنْ شَيْءٍ يَدْفَعُهُ إِلَى الْعَدْلِ بِخِلَافِ مَا قُلْنَا مِنْ قَبْلُ، لِأَنَّ الْعَدْلَ صَارَ ضَامِنًا لِلْكُلِّ بِالتَّعَدِّي فَصَارَ خَارِجًا مِنَ الْأَمَانَةِ وَاسْتَوَى حَالُهُ وَحَالُ الْمُشْتَرِي فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا لِلرَّاهِنِ فَلَمْ يَبْرَأْ أَحَدُهُمَا بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ إِلَى صَاحِبِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ الْعَدْلُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ إِلَى الْمُشْتَرِي، كَذَلِكَ لَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ إِلَى الْعَدْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْعَدْلُ ضَامِنًا لِقَدْرِ الْغَبِينَةِ لَا غَيْرَ لِأَنَّ مَا سِوَى الْغَبِينَةِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ فَكَانَ أَمِينًا فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute