للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِيلَ: إِنَّمَا مَنْعُ الشَّرْعِ مِنْ أَنَّ الطَّبِيعَةَ هِيَ الَّتِي تُحْدِثُ الْعَدْوَى كَمَا يَزْعُمُ الطِّبُّ، ولا يمنع أن الله تَعَالَى قَدْ جَعَلَ فِيهَا الْعَدْوَى كَمَا جَعَلَ فِي النَّارِ الْإِحْرَاقَ، وَفِي الطَّعَامِ الشِّبَعَ، وَفِي الْمَاءِ الرِّيَّ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا يوردن ممرض ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ " وَامْتَنَعَ مِنْ مُبَايَعَةِ الأجذام.

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بن الخطاب توجه إلى الشام فلما انتهى إلى سرغ تَلَقَّاهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَأَخْبَرُوهُ بِحُدُوثِ الطَّاعُونِ بِالشَّامِ، فتوقف عن المسير وَشَاوَرَ الْمُهَاجِرِينَ فِي الْمَسِيرِ أَوِ الرُّجُوعِ فَاخْتَلَفُوا، وَشَاوَرَ الْأَنْصَارَ فَاخْتَلَفُوا وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عوف غائباً عنهم فحضر فشاوره عُمَرُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا قَالَ عُمْرُ: مَا هُوَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي وَادٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ وَأَنْتُمْ فِيهِ فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهُ " فَحَمِدَ عُمَرُ اللَّهَ تَعَالَى وَرَجَعَ وَرَجَعَ النَّاسُ مَعَهُ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " لبن الحمقى يُعْدِي ".

فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ " فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ رَدُّ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مِنْ عَدْوَى الْأَوَّلِ، وَلَوْلَاهُ مَا جَرِبَتْ، وَقَالَ: " مِنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ " أَيْ إِذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يعني عَدْوَى كَانَ مَا بَعْدَهُ مِنْهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ أَضَافَ الشَّافِعِيُّ الْعَدْوَى إِلَى الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ، وَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

قِيلَ: عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّوَسُّعِ فِي الْعِبَارَةِ كَمَا يُقَالُ: طَالَتِ النَّخْلَةُ، وَقَصُرَ اللَّيْلُ وَأَثْمَرَتِ الشَّجَرَةُ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْعُيُوبِ فَوَجَدَ الزَّوْجُ بِالزَّوْجَةِ قَلِيلًا مِنْ بَرَصٍ أَوْ جذام عرض بِهِ فَانْتَشَرَ وَزَادَ حَتَّى صَارَ كَثِيرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ، لِأَنَّ الرَّاضِي بِقَلِيلِهِ رَاضٍ بِكَثِيرِهِ، وَلِأَنَّ قَلِيلَهُ فِي الْغَالِبِ يَصِيرُ كَثِيرًا، وَلَوْ ظَهَرَ بِهَا بَرَصٌ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الْأَوَّلِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الثَّانِي أقبح منظراً من الأول كأنه كَانَ الْأَوَّلُ فِي فَخْذِهَا وَحَدَثَ الثَّانِي فِي وَجْهِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي " الْإِمْلَاءِ " لِأَنَّ النَّفْسَ مِنَ الثَّانِي أَشَدُّ نُفُورًا مِنَ الأول.

والضرب الثاني: أن يكن مثل الأول في القبح، كأنه كَانَ الْأَوَّلُ فِي يَدِهَا الْيُمْنَى وَالثَّانِي فِي يَدِهَا الْيُسْرَى فَفِيهِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>