للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْلُومٍ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى عِوَضٍ مَجْهُولٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ كَانَتِ الْكِتَابَةُ بَاطِلَةً.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ فِيهَا مِنْ جَهَالَةِ الْعِوَضِ مَا لَا يَصِحُّ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَهُوَ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى ثَوْبٍ لَا يَصِفُهُ فَيَصِحُّ، وَيَكُونُ لَهُ ثَوْبٌ وَسَطٌ وَعَلَى عَبْدٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ لَهُ عَبْدٌ وَسَطٌ احْتِجَاجًا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَقْصُودَ الْكِتَابَةِ هُوَ الْعِتْقُ، وَالْعِتْقُ يَقَعُ بِالصِّفَاتِ الْمَجْهُولَةِ كَوُقُوعِهِ بِالصِّفَاتِ الْمَعْلُومَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَقْدٌ تُبْتَغَى بِهِ الْقُرْبَةُ كَالْوَصَايَا ثُمَّ جَازَتِ الْوَصِيَّةُ بِالْمَجْهُولِ وَالْمَعْلُومِ كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ.

وَدَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنِ الْغَرَرِ.

وَقَوْلُهُ " رُدُّوا الْجَهَالَاتِ إِلَى السُّنَنِ " وَلِأَنَّ كُلَّ جَهَالَةٍ مَنَعَتْ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ مَنَعَتْ مِنْ صِحَّةِ الْكِتَابَةِ. كَقَوْلِكَ كَاتَبْتُكَ عَلَى شَيْءٍ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَارَقَتِ الْوَصِيَّةُ حَيْثُ جَازَتْ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ، لَمْ تَجُزِ الْكِتَابَةُ بِهِ وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ بَطَلَ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ بَطَلَ بِجَهَالَةِ الصِّفَةِ كَالْبَيْعِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَرَّقْنَا بَيْنَ الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ وَبَيْنَ الْكِتَابَةِ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ قَدْ يَقَعْ فِيهَا مَعَ الْجَهَالَةِ بِالصِّفَةِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِفَسَادِ الْعَقْدِ فِي الْعِوَضِ.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْكِتَابَةُ تُوَافِقُ الْبَيْعَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَتُخَالِفُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

فَأَمَّا وَجْهَا الْمُوَافَقَةِ:

فَأَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِيهِمَا مَعْلُومًا فِي الذِّمَّةِ، لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي الْكِتَابَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الذِّمَّةِ. وَالْعِلْمُ بِهِ يَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: يَكُونُ بِذِكْرِ جِنْسِهِ مِنْ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ ثِيَابٍ، أَوْ عَبِيدٍ ثُمَّ يَذْكُرُ صِفَتَهُ، فَيَصِفُ الْجِنْسَ بِأَوْصَافِ السَّلَمِ إِلَّا فِي الدَّرَاهِمِ فَيَكُونُ إِطْلَاقُهَا مَحْمُولًا عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، ثُمَّ يَذْكُرُ الْقَدْرَ فَإِنْ كان موزونا ذكر وزنه إن كَانَ مَكِيلًا ذَكَرَ كَيْلَهُ وَإِنْ كَانَ مَعْدُودًا ذَكَرَ عَدَدَهُ.

فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ فِي الْعِوَضِ صَارَ حِينَئِذٍ مَعْلُومًا فَصَحَّتْ بِهِ الْكِتَابَةُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا بِالشُّهُودِ وَالْأَهِلَّةِ الَّتِي لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يُؤَجِّلُوا إِلَّا بِهَا فَإِنَّ قَدْرَهُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ الْأَجَلُ فِي الْبَيْعِ كَالْعَطَاءِ، وَالْحَصَادِ بَطَلَتْ بِهِ الْكِتَابَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>