وَأَمَّا غَيْرُ الطِّيبِ فَكَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُهُ فِي تَرْجِيلِ الشَّعْرِ لِمَا يُحْدِثُ فِيهِ مِنْ حُسْنِ مَنْظَرِهِ، وَشِدَّةِ بَصِيصِهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُهُ فِي بَدَنِهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَنْمِيسَ الْبَدَنِ وَاجْتِذَابَ الْوَسَخِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ زِينَةٌ تُمْنَعُ بِهِ الْمُعْتَدَّةُ وَلَا إِزَالَةُ الشَّعَثِ تُمْنَعُ بِهِ الْمُحْرِمَةُ، فَلَوْ قَرِعَ رَأْسُهَا حَتَّى ذَهَبَ شَعْرُهَا جَازَ أَنْ تَسْتَعْمِلَهُ فِي رَأْسِهَا كَمَا تَسْتَعْمِلُهُ فِي بَدَنِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِذَهَابِ الشَّعْرِ كَالْبَدَنِ وَلَوْ حَلَقَتْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَدْهِنَهُ؛ لِأَنَّ شَعْرَهَا يَنْبُتُ بَصِيصًا مُرَجَّلًا، وَلَوْ نَبَتَ فِي وَجْهِهَا شَعْرُ لِحْيَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَسْتَعْمِلَهُ فِيهَا وَإِنْ نُفِخَتْ بِاللِّحْيَةِ لِمَا فِي الدُّهْنِ مِنْ تَرْجِيلِهَا وَبَصِيصِ شَعْرِهَا.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رحمه الله تعالى: {وَكُلُّ كُحْلٍ كَانَ زِينَةً فَلَا خَيْرَ فِيهِ لَهَا فَأَمَّا الْفَارِسِيُّ وَمَا أَشْبَهَهُ إِذَا احْتَاجَتْ إِلَيْهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِينَةٍ بَلْ يَزِيدُ الْعَيْنَ مَرَهًا وَقُبْحًا وَمَا اضْطُرَّتْ إِلَيْهِ مِمَّا فِيهِ زِينَةٌ مِنَ الْكُحْلِ اكْتَحَلَتْ بِهِ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَحَظْرُ الْكُحْلِ مُخْتَصٌّ بِالْمُعْتَدَّةِ دُونَ الْمُحْرِمَةِ؛ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَلَا يُزِيلُ الشَّعَثَ، وَهُوَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا فِيهِ زِينَةٌ كَالْإِثْمِدِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَالصَّهْرُ وَهُوَ الْأَصْفَرُ فَهُوَ زِينَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ يَصِيرُ عِنْدَ الِاكْتِحَالِ بِهِ كَالْخُطَّةِ السَّوْدَاءِ فِي أُصُولِ أَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ بَيْنَ بَيَاضَيْنِ، بَيَاضِ الْعَيْنِ، وبياض المحاجز فَصَارَ تَحْسِينًا لَهَا وَزِينَةً، فَأَمَّا الْأَصْفَرُ فَإِنَّهُ يُصَفِّرُ مَوْضِعَهُ وَيُحَسِّنُهُ كَالْخِضَابِ فَلِأَجْلِ الزِّينَةِ مُنِعَتْ مِنْهُ الْمُعْتَدَّةُ، رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: جَاءَتِ امرأة إلى النبي فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّ بِنْتِي تُوُفِّيَ زَوْجُهَا عَنْهَا وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا فَنَكْحُلُهَا، فَقَالَ: لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا وَلِأَنَّ التَّزَيُّنَ بِذَلِكَ مِمَّا يَعْطِفُ أَبْصَارَ الرَّجُلِ فَيَدْعُوهُمْ إِلَى شَهْوَتِهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِنْهُ مَا لَا زِينَةَ فِيهِ كَالْفَارِسِيِّ، وَهُوَ الْأَبْيَضُ مِنَ الْبُرُودِ وَالْعَنْزَرُوتِ وَالتُّوتْيَا فَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِ لِأَنَّهُ لَا تَحْسِينَ فِيهِ بَلْ يَزِيدُ الْعَيْنَ مَرَهًا وَقُبْحًا، وَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّهُ زِينَةٌ لِبِيضِ النِّسَاءِ، وَلَيْسَ بِزِينَةٍ لِسُمْرِهِنَّ وَسُودِهِنَّ كَنِسَاءِ مَكَّةَ فَيُمْنَعُ مِنْهُ الْبِيضُ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ السُّمْرُ وَالسُّودُ، بَلْ هُوَ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ إِلَى اخْتِلَافِ أَلْوَانِهِنَّ مُبَاحٌ، وَلَوِ اخْتَلَفَ حُكْمُهُ لِاخْتِلَافِ الْأَلْوَانِ لِلنِّسَاءِ لَكَانَ الْأَبْيَضُ بِالسُّمْرِ وَالسُّودِ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ زِينَةً مِنْهُ بِالْبِيضِ، وَلَكَانَ الْأَسْوَدُ مِنْهُ مُخْتَلِفَ الْحُكْمِ فِي الْبِيضِ وَالسُّودِ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِلَوْنِهِ لَا بِلَوْنِ مُسْتَعْمِلِهِ، فَإِنِ اسْتَعْمَلَتِ الْمُعْتَدَّةُ كُحْلَ الزِّينَةِ فِي غَيْرِ عَيْنِهَا مِنْ يَدِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ مَا سِوَى الْعَيْنِ مِنَ الْبَدَنِ تَشْوِيهًا وَقُبْحًا إِلَّا الْأَصْفَرَ مِنْهُ الَّذِي لَهُ لَوْنٌ إِذَا طُلِيَ بِهِ الْجَسَدُ كَالصَّبِرِ حَسَّنَهُ فَتَمَنَّعَ مِنْهُ فِيمَا ظَهَرَ مِنَ الْجَسَدِ كَالْوَجْهِ وَلَا تُمْنَعُ مِنْهُ فِيمَا يُظَنُّ لِامْتِدَادِ الْأَبْصَارِ إِلَى مَا ظَهَرَ دون ما بطن فإن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute