أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: ٦٠] .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ بِمَا أَعْطَاهُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَزَادَهُمْ مِنْ قُدْرَةٍ عَنْ أَنْ يتَآلَفُوا بِأَمْوَالِهِمْ مُشْرِكًا وَيَكُونُ تَآلُفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُمْ إِمَّا عَنْ حَاجَةٍ إِلَيْهِمْ عِنْدَ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَتِهِمْ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ يُعْطِيهِمْ مِنْ مَالِهِ الَّذِي مَلَّكَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ فَكَانَ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ مِمَّا لَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْوُلَاةِ أَنْ يَصْنَعَ مِثْلَهُ.
فَإِذَا قِيلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَآلَفُوا بِمَالٍ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْوَالَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ حَوْلًا، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ حَقًّا مُنِعُوا ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهَا.
وَإِذَا قِيلَ: بِجَوَازِ تَآلُفِهِمْ جَازَ إِذَا وُجِدَ فِيهِمْ نَفْعُ التَّآلُفِ يُعْطَوْا مَعَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ لَا مِنْ أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ الْمُعَدَّةِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ فَضَرْبَانِ.
ضَرْبٌ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي جَوَازِ تَآلُفِهِمْ.
وَأَمَّا الضَّرْبُ الَّذِي اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي جَوَازِ تَآلُفِهِمْ وَحَمْلِهِمْ فِيهِ عَلَى حُكْمِ الْمُشْرِكِينَ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْأَشْرَافُ الْمُطَاعُونَ وَقَدْ حَسُنَتْ فِي الْإِسْلَامِ نياتهم لكن في إعطائهم تآلف لقومهم وترغيب لِأَكْفَائِهِمْ وَنُظَرَائِهِمْ كَالزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْطَاهُمَا تَآلُفًا لِقَوْمِهِمَا وَتَرْغِيبًا لِنُظَرَائِهِمَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَشْرَافٌ مُطَاعُونَ قَدْ أَسْلَمُوا بِنِيَّاتٍ ضَعِيفَةٍ إِنْ أُعْطُوا قَوِيَتْ نِيَّاتُهُمْ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ، وَإِنْ مُنِعُوا رُبَّمَا أَفْضَى بِهِمْ ضَعْفُ النِّيَّةَ إِلَى الرِّدَّةِ فَقَدْ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ مِثْلَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ، فَإِنَّهُ تَآلَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِائَةِ بَعِيرٍ وَتَرَكَ الْعَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيَّ فَلَمْ يُعْطِهِ ثِقَةً، بِحُسْنِ إِسْلَامِهِ كَمَا تَرَكَ الْأَنْصَارَ وَقَصَرَ بِهِ عَلَى مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ حَتَّى اسْتَعْتَبَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ فِيمَا أَنْشَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ شِعْرِهِ حَيْثُ يَقُولُ:
(كَانَتْ ذِهَابًا تَلَافَيْتُهَا ... وكَرِّي عَلَى الْقَوْمِ بِالْأَجْرَعِ)
(وَحَثِّي الْجُنُودَ لِكَيْ يُدْلِجُوا ... إِذَا هَجَعَ الْقَوْمُ لَمْ أَهْجَعِ)
(أَتَجْعَلُ نهبي وذهب العبيد ... بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ)