للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الرِّجْلُ جُبَارٌ) وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ رَاكِبًا، أَوْ قَائِدًا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَحْفَظَ مِنْهَا إلا رأسها ويدها فضمن مَا تَلِفَ بِهِمَا، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْفَظَ مِنْهَا رِجْلَهَا، وَذَنَبَهَا، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِمَا، وَيُمْكِنُ السَّائِقُ حِفْظَ جَمِيعِهِ، فَضَمِنَ مَا تَلِفَ بِجَمِيعِهِ، وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهَا بَهِيمَةٌ مَعَهَا صَاحِبُهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِجِنَايَتِهَا كَالسَّائِقِ؛ وَلِأَنَّهَا جِنَايَةٌ يَضْمَنُهَا سَائِقُهَا فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهَا راكبها، وقائدها، كالجناية برأسها ويده.

فأما الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " الرِّجْلُ جُبَارٌ) فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أحدهما: أنه ضعيف عنه أصحاب الحديث قد أَنْكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ،

وَالثَّانِي: أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: " الرِّجْلُ جُبَارٌ) عَلَى مَعْنَى " ذِي الرِّجْلِ جُبَارٌ) كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا سَبْقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ) مَعْنَاهُ فِي ذِي خُفٍّ، وَذِي حَافِرٍ، وَيَكُونُ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ: " الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ) وَهُوَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا صَاحِبُهَا.

وَأَمَّا الجواب عن قولهم: إن راكبها وقائدها لا يقدر على حفظ يدها وَذَنَبِهَا فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ رَاكِبَهَا وَقَائِدَهَا أضبط بها وَأَقْدَرُ عَلَى تَصَرُّفِهَا بِاخْتِيَارٍ مِنْ سَائِقِهَا؛ فَكَانَ أَوْلَى بِالضَّمَانِ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ رَأْسَهَا وَيَدَهَا فِي حَقِّ سَائِقِهَا كَرِجْلِهَا وَذَنَبِهَا فِي حَقِّ قَائِدِهَا، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءً.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِيَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا صَاحِبُهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ أَرْسَلَهَا صَاحِبُهَا بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ فَرَّطَ فِي رَبْطِهَا وَحِفْظِهَا فَاسْتَرْسَلَتْ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِمَا أَتَلَفَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا، لِأَنَّ مَا حَدَثَ بِتَفْرِيطِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يقصر صاحبها بعد ربطها وضبطها، ويسترسل فتتلف مالاً، أو إنساناً فَفِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنْ لَا ضَمَانَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ) ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ فِي الْحِفْظِ فَكَانَ كَرَعْيِ الْمَوَاشِي بِالنَّهَارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>