وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تُسْأَلْ عَنِ الْحَمْلِ قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَا إِنْ وَضَعَتْهُ مَيِّتًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِسُؤَالِهَا حُكْمٌ سِوَى الْحَدِّ، وَلَا يجوز أن تسأل عما يوجب حد الزنى عَلَيْهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ حَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِ) .
وَإِنْ وَضَعَتْ وَلَدًا حَيًّا سُئِلَتْ عَنْهُ حِينَئِذٍ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ، فَإِنْ أقرت به من زنا حدث بإقرارها، والله أعلم.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وإن شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ قَبِلْتُهُمْ إِذَا كَانَ الزِّنَا وَاحِدًا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لَا فَرْقَ فِي الشهادة على الزنا بين أن يفرق الشهود في أدائها أو يجتمعوا عليها.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: تُسْمَعُ شَهَادَتُهُمْ إِنِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَيُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَلَا تُقْبَلُ إِنِ افْتَرَقُوا فِي الْأَدَاءِ فَشَهِدَ بَعْضُهُمْ فِي مَجْلِسٍ وَشَهِدَ آخَرُونَ مِنْهُمْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَلَا يَجِبُ بِشَهَادَتِهِمْ حَدٌّ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الزِّنَا تَكُونُ بِلَفْظِ الْقَذْفِ، فَإِنْ تَكَامَلَ فِيهَا الْعَدَدُ خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الْقَذْفِ إِلَى الشَّهَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَامَلِ الْعَدَدُ اسْتَقَرَّ فِيهَا حُكْمُ الْقَذْفِ وَلَمْ تَكُنْ شَهَادَةً، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَجْلِسُ مُعْتَبَرًا فِي اسْتِقْرَارِ حُكْمِهَا؛ لِأَنَّ لِلْمَجْلِسِ تَأْثِيرًا فِي اسْتِقْرَارِ الأحكام كالقبول بعد البدل في العقود، وكالقبض في عقد التصرف.
قالوا: وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ مُعْتَبِرَةٌ بِكَمَالِ الْأَدَاءِ وَكَمَالِ العدد، فلما كان تفريق الأداء في مجلس ذُكِرَ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ زِنًا وَوَصِفَ فِي الْآخَرِ الزِّنَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيقُ الْعَدَدِ فِي مَجْلِسَيْنِ مَانِعًا من صحة الشهادة.
قالوا: وَلِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ تَارَةً وَبِالشَّهَادَةِ أُخْرَى، ثُمَّ تَغَلَّظَ الْإِقْرَارُ مِنْ وَجْهَيْنِ تَصْرِيحٌ بِصِفَةٍ، وَعَدَدٌ فِي تَكْرَارِهِ وَجَبَ أَنْ تَتَغَلَّظَ الشَّهَادَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: زِيَادَةُ عَدَدٍ، وَاجْتِمَاعٌ فِي مَجْلِسٍ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الآية [النور: ٤] .
وَلَمْ يُفَرِّقْ فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ يَجِبُ الْحُكْمُ بِهَا إِذَا تَكَامَلَ عَدَدُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute