قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي زَوْجَيْنِ مُشْرِكَيْنِ أَسْلَمَتِ الزَّوْجَةُ مِنْهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا النَّفَقَةُ فِي زَمَانِ عِدَّتِهَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ أَوْ تَأَخَّرَ لِمَعْنَيَيْنِ:
أحدهما: أن الإسلام فرض مضيق الوقت فَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ نَفَقَتُهَا، وَإِنَّ مُنِعَ مِنَ الاستمتاع كالصلاة والصيام المفروضين.
والثاني: أن إسلامها الْمَانِعَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا يَقْدِرُ الزَّوْجُ عَلَى تَلَافِيهِ بِإِسْلَامِهِ فِي عِدَّتِهَا، فَلَمْ تَسْقُطْ بِهِ نَفَقَتُهَا كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَحَكَى أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ قَوْلًا آخَرَ إِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا، لِأَنَّهَا مَنَعَتْهُ نَفْسَهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا فَاقْتَضَى أَنْ تَسْقُطَ بِهِ نَفَقَتُهَا وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ طَائِعَةً كَالْحَجِّ، وَهَذَا الْقَوْلُ إِنْ حَكَاهُ نَقْلًا فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ تَخْرِيجًا فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْحَجَّ مُوَسَّعُ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَالْإِسْلَامُ مُضَيَّقُ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَصَارَتْ بِالْإِسْلَامِ فَاعِلَةً مَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَبِالْحَجِّ فَاعِلَةً مَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ تَحْرِيمَهَا بِالْحَجِّ لَا يُمْكِنُهُ تَلَافِيهِ وتحريمها بالإسلام يمكنه تلافيه.
[مسألة]
قال الشافعي: " وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمُ لَمْ يَكُنْ لَهَا نفقةٌ في أيام كفرها لأنها المانعة لنفسها مِنْهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يُسْلِمَ الزَّوْجُ قبلها، فإن تأخر إسلامهما حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، لِأَنَّهَا بالتأخر عَنِ الْإِسْلَامِ كَالْمُرْتَدَّةِ وَالنَّاشِزِ، فَإِنْ قِيلَ فَالْمَنْعُ من جهته لا من جهتها، فهلا كانت لها النفقة كما لو رجع.
قِيلَ: قَدْ كَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ أن يَلْتَزِمُ لِهَذَا التَّعْلِيلِ قَوْلًا آخَرَ إِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ إِمَّا نَقْلًا وَإِمَّا تَخْرِيجًا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ فَرْضٌ مُضَيَّقُ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْحَجِّ ثُمَّ هُوَ مَنْعٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَلَافِيهِ فلم يمنع كونه من جهته أن يسقط بِهِ النَّفَقَةَ كَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَلَوْ أَسْلَمَتِ الزَّوْجَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا بَعْدَ إِسْلَامِهَا لِاسْتِقْرَارِ الزَّوْجِيَّةِ، وَعَوْدِ الْإِبَاحَةِ وَهَلْ لَهَا نَفَقَةُ المدة الباقية فِي شِرْكِهَا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ - لَهَا النَّفَقَةُ، لِأَنَّهَا كانت زوجة فيما لم يزل، وبناء على قوله، وَبِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الْقَدِيمِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتُسْتَحَقُّ بِالتَّمْكِينِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ - لَا نَفَقَةَ لَهَا، لِأَنَّ مُدَّةَ التَّأَخُّرِ كَالنُّشُوزِ، وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةٌ وَبِنَاءً عَلَى قوله الجديد، أن النفقة تجب العقد والتمكين منه.
[مسألة]
قال الشافعي: " وَلَوِ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صحيح، وهو اختلاف في وجوب النفقة، ولا إطلاقه تَفْصِيلٌ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْتَلِفَا بَعْدَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ فِي أَيِّهِمَا تَقَدَّمَ بِالْإِسْلَامِ فَيَقُولُ الزَّوْجُ: أَسْلَمْتُ