للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَلْفَ بِأَجْنَاسٍ كَثِيرَةٍ قُبِلَ أَيْضًا، وَأُحْلِفَ إِنْ أَكْذَبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ. وَهكَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمَانِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ.

فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ أَلْفٌ وَأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَهَلْ يصير ذ لك تَفْسِيرًا لِلْأَلْفِ الْمُبْهَمَةِ أَمْ لَا؟

عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: لَا يَكُونُ تَفْسِيرًا كَمَا لَوْ كَانَ الْعَدَدُ الزَّائِدُ دِرْهَمًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ تَفْسِيرًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَا بَعْدَ الْأَلْفِ عَدَدًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ: لَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ إِلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِلْأَلْفِ. وَإِنْ كَانَ عَدَدًا مَنْصُوبَ التَّمْيِيزِ كَقَوْلِهِ: أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَمَا زَادَ كَانَ تَفْسِيرًا لِلْأَلْفِ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ أَخَصُّ بِالصِّفَاتِ وَالنُّعُوتِ وَيَصِيرُ تَقْدِيرُ هَذَا الْكَلَامِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَأَحَدَ عَشَرَ مِنَ الدَّرَاهِمِ.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ ألفٌ إِلَّا دِرْهَمًا قِيلَ لَهُ أَقِرَّ لَهُ بِأَيِّ ألفٍ شِئْتَ إذا كان الدرهم مستثنى منها ويبقى بعده شيءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْإِقْرَارِ يَصِحُّ مِنْ جِنْسِهِ وَغَيْرِ جِنْسِهِ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْإِقْرَارِ هَلْ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.

وَقَالَ محمد بن الحسن وزفر بن هزيل: لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بِحَالٍ، لَا فِي مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ وَلَا غَيْرِهِ. اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ إِسْقَاطَ بَعْضِ الْجُمْلَةِ وَبَعْضُهَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا.

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلاَّ رَبُّ العَالَمِينَ) {الشعراء: ٧٧) وَقَالَ تَعَالَى: {فَسَجَدَ المَلاَئِكَةُ كُلُهُمْ أجْمَعُونَ إلاَّ إبْلِيسَ) {الحجر: ٣٠، ٣١) وَقَالَ الشَّاعِرُ:

(وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>