للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ. فَأَثْبَتُ أَحْكَامِ الشُّرُوطِ إِذَا جَاءَ النَّصُّ بِهَا وَدَلَّ الْكِتَابُ عَلَيْهَا. وَلِأَنَّ مَا مُنِعَ مِنَ التَّفَاضُلِ مِنْهُ مُنِعَ مِنْ دُخُولِ الْأَجَلِ فِيهِ كَالصَّرْفِ.

وَلِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الْقَرْضِ أَنْ يُمَلَّكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ مِثْلَ مِلْكِ صَاحِبِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْمُقْتَرِضُ قَدْ مَلَكَ الْقَرْضَ مُعَجَّلًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ قَدْ مَلَكَ بَدَلَهُ مُعَجَّلًا. وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ فَمَخْصُوصٌ بِخَبَرِنَا. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْأَثْمَانِ فَمُنْتَقِضٌ بِالصَّرْفِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْأَثْمَانِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ الزِّيَادَةُ فِيهَا صَحَّ دُخُولُ الْأَجَلِ فِيهَا، وَالْقَرْضُ لَمَّا لَمْ تَجُزِ الزِّيَادَةُ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ دُخُولُ الْأَجَلِ فِيهِ. فَإِذَا صَحَّ أَنَّ تَأْجِيلَ الْقَرْضِ لَا يَجُوزُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يُبْطَلُ الْقَرْضُ بِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فِيهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْ بَطَلَ الْقَرْضُ لِاشْتِرَاطِ مَا يُنَافِيهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة إنَّ الْقَرْضَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْأَجَلَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ فَتَأْخِيرُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَائِزٌ فَلَمْ يَتَنَافَيَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي: فَهُوَ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْمُقْرِضُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ نَفْعًا زَائِدًا عَلَى مَا اقْتَرَضَ لِنَهْيِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً.

فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةً عَلَى الْقَرْضِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْقَرْضُ مِمَّا يَدْخُلُهُ الرِّبَا كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، فَمَتَى شَرَطَ فِيهِ زِيَادَةً لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الْقَرْضُ بَاطِلًا سَوَاءً كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْقَدْرِ كَقَوْلِهِ قَدْ أَقْرَضْتُكَ هَذِهِ الْمِائَةَ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ، أَوْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ كَقَوْلِهِ: قد أقرضتك هذه المائة العلة بِمِائَةٍ صِحَاحٍ، أَوْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ كَقَوْلِهِ: قَدْ أَقْرَضْتُكَ هَذِهِ الْمِائَةَ عَلَى أَنْ تخد مني شَهْرًا أَوْ عَلَى أَنْ تَكْتُبَ لِي بِهَا سَفْتجَةً إِلَى بَلَدِ كَذَا، لِأَنَّ هَذَا نَفْعٌ يَعُودُ عَلَيْهِ لِمَا سَقَطَ عَنْهُ مِنْ خَطَرِ الطَّرِيقِ فَالْقَرْضُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَاطِلٌ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ ثُبُوتَ الرِّبَا فِيهِ بِهَذَا الْوَجْهِ يُمْنَعُ مِنْهُ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَرْضُ مِمَّا لَا رِبَا فِيهِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَ مَا شَرَطَ مِنَ الزِّيَادَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْقَرْضِ كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي شَهْرًا لَمْ يَجُزْ وَكَانَ قَرْضًا بَاطِلًا لِأَنَّ القرض ليس بلازم والاستخدام لوضح شَرْط لَازِمٌ فَتَنَافِيَا.

وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْقَرْضِ إِمَّا فِي قَدْرِهِ كَقَوْلِهِ: قَدْ أَقْرَضْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِثَوْبَيْنِ أَوْ هَذَا الْعَبْدَ بِعَبْدَيْنِ، أَوْ فِي صِفَةٍ كَقَوْلِهِ: قَدْ أَقْرَضْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ بِثَوْبٍ مَرْوِيٍّ فَفِي صِحَّةِ القرض وجهان:

<<  <  ج: ص:  >  >>