وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ عَقْدُهَا مَعْصِيَةً، وَحَلُّهَا طَاعَةً.
كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا صَلَّيْتُ وَلَا صُمْتُ.
فَإِذَا حَنِثَ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ لِتَكْفِيرِ مأثم اليمين دُونِ الْحِنْثِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ عَقْدُهَا مُبَاحًا، وَحَلُّهَا مُبَاحًا.
كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا لَبِسْتُ هَذَا الثَّوْبَ، وَلَا دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ.
فَالْكَفَّارَةُ تَتَعَلَّقُ بِهِمَا، وَهِيَ بِالْحِنْثِ أَحَقُّ، لِاسْتِقْرَارِ وُجُوبِهَا به.
وقال تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} وفيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: احْفَظُوهَا أَنْ يَحْلِفُوا.
وَالثَّانِي: احْفَظُوهَا أَنْ تَحْنَثُوا.
وَالثَّالِثُ: احْفَظُوهَا لِتُكَفِّرُوا.
وَالسُّنَّةُ مَا رَوَاهُ أَبُو أُمَامَةَ الْحَارِثِيُّ، وَهُوَ إِيَاسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، عَنِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنِ اقْتَطَعَ بِيَمِينِهِ مَالَ امرئٍ مسلمٍ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ " قِيلَ: " وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ: وَإِنْ كَانَ سِوَاكًا مِنْ أراكٍ " وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يمينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خيرا منها فليأت الذي هو خيرٌ، وَيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ".
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْيَمِينُ حنثٌ أَوْ مندمةٌ ".
وَقَدْ حلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَامَ الْفَتْحِ، فَقَالَ: " وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ".
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنْ شَاءَ اللَّهُ ".
وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ قَالَ: " لَا وَالَّذِي نَفْسُ محمدٍ بِيَدِهِ " وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ ".
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَعَقْدُ الْيَمِينِ مَوْضُوعَةٌ لِتَحْقِيقِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مَاضِيًا، أَوْ لِالْتِزَامِهِ إِنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ الكفارة ".