للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْفَرْقُ بَيْنَ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْإِمَامِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا، وَرَابِعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ.

فَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا.

فَأَحَدُهَا: أَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ إِلَّا فِيمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ ظُلْمٌ، وَطَاعَةُ هَذَا الْمُتَغَلِّبِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ إِلَّا فِيمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ أَمْرِ الْإِمَامِ بِالْقَتْلِ أَنَّهُ يَحِقُّ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ ظَلَمَ، وَالظَّاهِرُ مِنْ أَمْرِ الْمُتَغَلِّبِ بِالْقَتْلِ أَنَّهُ يَظْلِمُ إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ حَقٌّ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ فِيمَنْ يَسْتَبِيحُ قَتْلَهُ مِنْ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ، وَحُرٍّ بِعَبْدٍ نَافِذٍ، وَاجْتِهَادُ هَذَا الْمُتَغَلِّبِ فِيهِ غَيْرُ نَافِذٍ.

فَإِذَا افْتَرَقَا مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ اعْتُبِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْآمِرِ إِنْ كَانَ إِمَامًا أَوْ مُتَغَلِّبًا فَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَهُ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فِي الْجِهَتَيْنِ.

وَأَمَّا الرَّابِعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَهُوَ الْإِكْرَاهُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حُكْمِ الْإِكْرَاهِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ فِيهِ أَوْ يَخْتَلِفَانِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْإِكْرَاهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْآمِرِ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ، فَعَلَى هَذَا إِذَا أَمَرَ الْمُتَغَلِّبُ رَجُلًا بِالْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ وَجَبَ عَلَى الْمَأْمُورِ الْقَوَدُ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِظُلْمِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ أَمْرِهِ بِالْقَتْلِ أَنَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا قَوَدَ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَاعٍ فِي الظَّاهِرِ، مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ حَقٌّ، فَصَارَ الْمَأْمُورُ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْقَتْلِ، وَالْآمِرُ مُشِيرٌ بِهِ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ الْآمِرُ الْمُتَغَلِّبُ عَلَى الْقَتْلِ وَجَبَ عَلَى الْآمِرِ الْقَوَدُ، وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْمَأْمُورِ قَوْلَانِ، لِاسْتِوَاءِ الْإِمَامِ وَالْمُتَغَلِّبِ فِي الْإِكْرَاهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي حُكْمِ الْإِكْرَاهِ كَمَا اخْتَلَفَا فِي حُكْمِ الِاخْتِيَارِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي طَاعَةِ الْإِمَامِ شُبْهَةً لَيْسَتْ فِي طَاعَةِ الْمُتَغَلِّبِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ أَمْرَ الْإِمَامِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، لَا يُقْدَرُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ، وَأَمْرُ الْمُتَغَلِّبِ خَاصٌّ فِي بَعْضِهَا يُقْدَرُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ إِذَا انْتَقَلَ إِلَى غَيْرِهَا.

فَعَلَى هَذَا إِذَا أَكْرَهَ الْمُتَغَلِّبُ رَجُلًا عَلَى الْقَتْلِ وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ فِي مُكْرَهِ الْإِمَامِ قَوْلَانِ: لِمَا ذُكِرَ مِنَ الفَرْقَيْنِ، وَإِنْ كَانَا ضَعِيفَيْنِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ بِالْقَتْلِ مُسَاوِيًا لِلْمَأْمُورِ لَا يَفْضُلُ عَلَيْهِ بِقُدْرَةٍ، وَلَا يَدٍ فَالْإِكْرَاهُ مِنْ مِثْلِهِ مَعْدُومٌ، وَالْمَأْمُورُ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْقَتْلِ دُونَ الْآمِرِ، وَالْآمِرُ أَضْعَفُ حَالًا مِنَ المُمْسِكِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَوَدٌ وَلَا دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ، لكن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>