للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْأَدَاءِ قَدْ تُقْبِلُ عَلَى مَنْ لَيْسَ له عدوين خالفاً الْفَاسِقَيْنَ إِذْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بحال، وإن كَانَا عَدُوَّيْنِ لِلزَّوْجَيْنِ مَعًا فَفِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ بهما وجهان لأصحابنا:

أحدهما: لا تنعقد كَالْفَاسِقَيْنِ، لِأَنَّ الْأَدَاءَ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا عَلَى أحد الزوجين بحال.

والوجه الثاني: هو ظَاهِرُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ إِنَّ النكاح بهما منعقد وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُمَا أَدَاؤُهُ بِخِلَافِ الْفَاسِقَيْنِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْفَاسِقَيْنِ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا أداء هذه الشهادة صح منهما أداء غيرها من الشهادات، وهذا لو كان الشاهدان ابْنَيِ الزَّوْجَيْنِ كَانَا كَالْعَدُوَّيْنِ، لَأَنَّ شَهَادَةَ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ مَرْدُودَةٌ، كَمَا أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ مَرْدُودَةٌ، فَإِنْ كَانَا ابْنِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِهِمَا لِإِمْكَانِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ابْنَ الزَّوْجِ وَالْآخَرُ ابْنَ الزَّوْجَةِ فَفِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِهِمَا الْوَجْهَانِ الْمَاضِيَانِ، ومن أصحابنا مع منع من انعقاد النكاح بِكُلِّ حَالٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَدُوَّيْنِ بِأَنَّ فيما بغضية لَا تَزُولُ، وَلَيْسَتْ كَالْعَدَاوَةِ الَّتِي قَدْ تَزُولُ والله أعلم بالصواب.

[مسألة]

(وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ) بِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ " لَا نكاح إلا بولي مرشدٍ وشاهدي عدلٍ " وأن عمر رد نكاحاً لم يشهد عليه إلا رجل وامرأةٌ فقال " هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلَا أُجِيزُهُ وَلَوْ تَقَدَّمْتُ فيه لرجمت " وقال عمر رضي الله عنه " لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذي الرأي من أهلها أو السلطان " (قال الشافعي) والنساء محرمات الفروج فلا يحللن إلا بما بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فبين " وليا وشهوداً وإقرار المنكوحة الثيب وصمت البكر ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ رُشْدُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ عَقْدِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ فَاسِقًا بَطَلَ عَقْدُهُ عَلَى الظَّاهِرِ من مذهب الشافعي، والمشهور من قوله سواء كَانَ الْوَلِيُّ مِمَّنْ يُجْبِرُ عَلَى النِّكَاحِ كَالْأَبِ أَوْ مِمَّنْ لَا يُجْبِرُ كَالْعَصِبَاتِ.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: إِنْ كَانَ الْوَلِيُّ مِمَّنْ يُجْبِرُ كَالْأَبِ بَطَلَ عَقْدُهُ بِالْفِسْقِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُجْبِرُ كَالْعَصِبَاتِ لَمْ يَبْطُلْ عَقْدُهُ بِالْفِسْقِ لأنه يكون مأموراً كالوكيل.

وقال أَبُو حَنِيفَةَ: فِسْقُ الْوَالِي لَا يُبْطِلُ عَقْدَهُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ قَوْلًا عَنْهُ اسْتِدْلَالًا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُواْ الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) {النور: ٣٢) وَلِأَنَّ من تعين في عقد النكاح لم يعتبر فِيهِ الْعَدَالَةُ كَالزَّوْجِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ أَنْ يَقْبَلَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يَلِيَ عَلَى النِّكَاحِ غَيْرَهُ كَالْعَدْلِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لِلْفَاسِقِ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ جَازَ لَهُ تَزْوِيجُ وَلِيَّتِهِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ وَلِيًّا فِي نِكَاحِ ابْنَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ وَلِيًّا فِي نِكَاحِ ابْنَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>