فَإِذَا وَضَحَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَخَذَ الْأَوَّلُ الْحَاضِرُ كُلَّ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ قَدِمَ ثَانٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِنِصْفِ مَا بِيَدِهِ مِنَ الشِّقْصِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِيَكُونَا فِي الشِّقْصِ سَوَاءً فَإِنْ رَضِيَ الثَّانِي أَنْ يَقْتَصِرَ مِنَ الْأَوَّلِ عَلَى ثُلُثِ مَا بِيَدِهِ مِنَ الشِّقْصِ وَهُوَ قَدْرُ حِصَّتِهِ عِنْدَ اشْتِرَاكِهِمْ، وَامْتَنَعَ الْأَوَّلُ إِلَّا أَنْ يُسَاوِيَهُ بِالنِّصْفِ أَوْ يَعْفُوَ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَوَّلِ ويمنع الثاني فما سَأَلَ وَيُقَالُ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ النِّصْفَ أَوْ تَعْفُوَ كَمَا يُمْنَعُ الْأَوَّلُ مَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الثَّانِي وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الثُّلُثِ وَيُجْبَرَ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ مَعَ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي صَفْقَةٌ يَمْنَعُ مِنْ تَفْرِيقِهَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ صَفْقَةٌ تُفَرَّقُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَفْوٌ عَنْ بَعْضِ مَا اسْتَحَقَّ لَهُ فَإِذَا وَضُحَ مَا ذَكَرْنَا وَأَخَذَ الثَّانِي مِنَ الْأَوَّلِ نِصْفَ الشقص بنصف الثمن ثم قدر الثَّالِثُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ بِثُلُثِ الثَّمَنِ وَهُوَ سُدُسُ الْكُلِّ فَيَصِيرُ الشِّقْصُ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَعُهْدَةُ جَمِيعِهِمْ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مُسْتَحِقَّةٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَلَيْسَ أَخْذُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ. فَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ الثالث عفا عن شفعته استقرت لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ وَلَوْ عَفَا الثَّانِي وَطَالَبَ الثَّالِثُ جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
فَصْلٌ
: وَإِذَا أَخَذَ الشِّقْصَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْآخَرَيْنِ ثُمَّ قَدِمَ أَحَدُ الْغَائِبَيْنِ فَصَالَحَ الْحَاضِرَ عَلَى ثُلُثِ الشِّقْصِ وَسَلَّمَ لَهُ بِالثُّلُثَيْنِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ الْآخَرُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي بِيَدِهِ الثُّلُثَانِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا بِيَدِهِ وَهُوَ الثُّلُثُ فَيَصِيرُ الشِّقْصُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِيَكُونُوا فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءً وَلَا يَكُونُ لِعَفْوِ الْأَوَّلِ مِنَ الْقَادِمَيْنِ أَثَرٌ غَيْرُ تَأْخِيرِ حَقِّ الثَّانِي عَلَى الْحَاضِرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ ومحمد بن الحسن إِنَّ الشِّقْصَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا: أَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِلْعَافِي وَسَبْعَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْآخَرَيْنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَافِيَ لَمَّا صَالَحَ عَلَى الثُّلُثِ صَارَ تَارِكًا لِثُلُثِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلنِّصْفِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الثُّلُثِ فَصَارَ الشِّقْصُ بَيْنَهُمْ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلْعَافِي وَسَهْمَانِ لِلْحَاضِرِ الْأَوَّلِ فَلَمَّا قَدِمَ الثَّالِثُ اسْتَحَقَّ ثُلُثَ مَا بِيَدِ الْعَافِي وَهُوَ ثُلُثُ السَّهْمِ ضُمَّ إِلَى السَّهْمَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعَ الْأَوَّلِ تَصِيرُ سَهْمَيْنِ وَثُلُثًا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمٌ وَسُدُسٌ فَتُضْرَبُ فِي مَخْرَجِ السُّدْسِ وَهُوَ سِتَّةٌ لِتَصِحَّ السِّهَامُ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا كَانَ لِلْعَافِي ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ تُضْرَبُ لَهُ فِي سِتَّةٍ فَيَكُونُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْآخَرَيْنِ سَهْمٌ وَسُدُسٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ تُضْرَبُ لَهُ فِي سِتَّةٍ فَيَكُونُ لَهُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْآخَرِ مِثْلُهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute