رَمْيِهِ عَلَى جُمْلَةِ إِحْرَامِهِ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَإِذَا أَخَذَ فِي الرَّمْيِ كَانَ آخِذًا فِي التَّحَلُّلِ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَطْعُهُ لِتَلْبِيَةِ إِحْرَامِهِ عِنْدَ أَخْذِهِ فِي التَّحَلُّلِ من إحرامه.
مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَتَطَيَّبُ لِحِلِّهِ إِنْ شَاءَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بالبيت لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تطيب لحله قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا التطيب بَعْدَ الْإِحْلَالِ الثَّانِي فَمُبَاحٌ، وَقِيلَ الْإِحْلَالُ الْأَوَّلُ فمحظور، فأما بعد الأول وقيل الثَّانِي فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ: أَنَّهُ مُبَاحٌ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فإذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ "، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ كَالْمُبَاشَرَةِ، فَكَانَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يُخَرِّجُونَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَذْهَبُهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ: جَوَازُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقَدِيمِ حَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحَلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَهَذَا نَصٌّ، وَلِأَنَّ الطِّيبَ أَخَفُّ حالاً من اللباس؛ لأن استدامة الطيب بعد الإحلال جَائِزٌ، وَاسْتِدَامَةُ اللِّبَاسِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ غَيْرُ جَائِزٍ، فَلَمَّا اسْتَبَاحَ أَغْلَظَ الْأَمْرَيْنِ حَالًا كَانَ اسْتِبَاحَتُهُ أخفهما أولى.
مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ الرَّمْيَ وَالنَّحْرَ وَالتَّعْجِيلَ لِمَنْ أَرَادَهُ فِي يومين بعد النحر ".
قال الماوردي: فقد ذَكَرْنَا أَنَّ خُطَبَ الْحَجِّ أَرْبَعٌ، مَضَى مِنْهَا خُطْبَتَانِ وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ وَهِيَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَيُعَلِّمُ النَّاسَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي يَوْمِهِمْ، وَمَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكِهِمْ، وَقَالَ أبو حنيفة: هَذِهِ الْخُطْبَةُ غَيْرُ مَسْنُونَةٍ فَلَا يَخْطُبُهَا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جَامِعٍ "، وَلَيْسَتْ مِنًى مِصْرًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْطُبَ بِيَوْمِ النَّحْرِ فِيهَا، وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَالْهِرْمَاسِ بْنِ زِيَادٍ الْبَاهِلِيِّ أَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَى وَقَالَ: مَا يَوْمُكُمْ هَذَا؟ قَالُوا يَوْمُ النَّحْرِ الْأَكْبَرِ. وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَنًى يَوْمَ النَّحْرِ، وَهَذَا نَصٌّ، وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ شُرِعَ فِيهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ طواف، فَوَجَبَ أَنْ تُشْرَعَ فِيهِ الْخُطْبَةُ قِيَاسًا عَلَى يَوْمِ عَرَفَةَ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا سُنَّتِ الْخُطْبَةُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ بِذَلِكَ أَوْلَى لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.
وَالثَّانِي: لِأَنَّهَا مَسْنُونَةٌ فِي غَيْرِ الْحَجِّ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا جُمْعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ فَلَيْسَتْ هَذِهِ خُطْبَةَ عِيدٍ وَإِنَّمَا هِيَ خُطْبَةُ حَجٍّ فَجَازَتْ فِي غير مصر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute