وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَإِنْ أَشْكَلَ: فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكَهُ الْوَرَثَةُ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ مُؤَثِّرٌ في مستحق الوصية لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِلْوَرَثَةِ.
فَصْلٌ:
وَإِذَا أَوْصَى بحمل أمته لرجل، ضرب بَطْنَهَا ضَارِبٌ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا: صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ، وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ الدِّيَةُ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِحَمْلِ نَاقَتِهِ، فَضُرِبَ بَطْنُهَا، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا: فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَمَا نَقَصَهَا الضَّرْبُ لِلْوَرَثَةِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ مَا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ بَدَلٌ مِنْهُ.
وَمَا فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ لَا بَدَلَ لَهُ مِنْهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ فِي جَنِينِ الأدمية ديته، وفي جنين البهيمة ما نقص من ثمنها.
[فصل:]
ولو أوصى بحمل جارية لِحَمْلِ أُخْرَى، فَلَا يَخْلُو حَمْلُهُمَا، مِنْ أَرْبَعَةِ أقسام:
أحدها: أن يكون الحملان موجودين حال الْوَصِيَّةِ لِوِلَادَتِهِمَا، لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ.
فَمَنْ وَلَدَتْهُ الْمُوصَى بِحَمْلِهَا، مِنْ غُلَامٍ أَوْ جَارِيَةٍ، أَوْ هُمَا، فَهُوَ لِمَنْ وَلَدَتْهُ الموصى لحملها من ذكر أو أنثى أو هما بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحَمْلَانِ مَعْدُومَيْنِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ لِوِلَادَتِهِمَا لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سنين، فالوصية باطلة، لأنها وصية بِمَعْدُومٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ الْمُوصَى بِهِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ لِوِلَادَتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَالْحَمْلُ الْمُوصَى لَهُ مَعْدُومًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ لِوِلَادَتِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ.
فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِمَوْجُودٍ لِمَعْدُومٍ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أن يكون الحمل الموصى مَعْدُومًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ لِوِلَادَتِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَالْحِمْلُ الْمُوصَى لَهُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ لِوِلَادَتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ: فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، لأنها وصية بمعدوم لموجود.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " (وَلَوْ) أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ أَوْ بِغَلَّةِ دَارِهِ أو بثمر بستانه والثلث يحتمله جاز ذلك ".
قال الماوردي: الوصية بمنافع الأعيان جائزة، كالوصية بِالْأَعْيَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا، فأولى أن تصح الوصية بها، وسواء قيدت الْوَصِيَّةُ بِمُدَّةٍ، أَوْ جُعِلَتْ مُؤَبَّدَةً.
وَقَالَ ابْنُ أبي ليلى: