للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِقْرَارُهُ فَلَمْ يَصِحَّ إِيقَاعُهُ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ الْقِيَاسَ عَلَيْهِمْ فَقُلْتَ: فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِيقَاعُهُ بِهَزْلِهِ إِقْرَارَهُ كَالْمُخْتَارِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ، إِنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مَعَ الْإِرَادَةِ، لَمْ يَمْنَعْ وُقُوعَهُ مَعَ فَقْدِ الْإِرَادَةِ فَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُعْتَبَرُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وُجُودَ الْإِرَادَةِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِرَادَةِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْهَازِلِ صِحَّةُ إِقْرَارِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الرَّضَاعِ، فَهُوَ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْمُكْرَهِ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الرَّضَاعِ أَنَّهُ فِعْلٌ وَالطَّلَاقُ قَوْلٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ فَرَّقَ مَا بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ، بِحَالِ الْمَجْنُونَةِ إِذَا أَرْضَعَتْ وَالْمَجْنُونِ إِذَا طَلَّقَ مَا كَفَى.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ طَلَاقَ الْكرهِ لَا يَقَعُ، فَجَمِيعُ مَا وَقَعَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا لَا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الِاخْتِيَارِ.

وَالثَّانِي: مَا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ حُكْمُ الْمُكْرَهِ وَالْمُخْتَارِ.

وَالثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، فَهُوَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْكُفْرِ وَعَلَى سَبِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَعَلَى عَقْدِ الْأَيْمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَعَلَى سَائِرِ الْعُقُودِ مِنَ الْمَنَاكِحِ وَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْوِكَالَاتِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالظِّهَارِ وَالْقَذْفِ وَالْوَصِيَّةِ، فَهَذَا كُلُّهُ لَا حُكْمَ لَهُ، إِذَا أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ، وَكَذَلِكَ الصَّائِمُ إِذَا أُوجِرَ الطَّعَامُ فِي حَلْقِهِ فَهُوَ عَلَى صَوْمِهِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: الَّذِي يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ حُكْمُ الْمُكْرَهِ وَالْمُخْتَارِ، فَهُوَ إِسْلَامُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالرَّضَاعُ وَالْحَدَثُ وَطَرْحُ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمُصَلِّي عَلَى خُفِّهِ إِذَا كَانَ مَاسِحًا، إِلَى مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى فَيَكُونُ وُجُودُ ذَلِكَ مِنَ الْمُكْرَهِ وَالْمُخْتَارِ سَوَاءً.

وَأَمَّا مَا اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَالْمُكْرَهُ عَلَى الْقَتْلِ فِي وُجُوبِ الْقَوْدِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ، وَإِكْرَاهُ الرَّجُلِ عَلَى الزِّنَا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ قَوْلَانِ وَإِكْرَاهُ الصَّائِمِ عَلَى الْأَكْلِ فِي فِطْرِهِ بِهِ قَوْلَانِ وَإِكْرَاهُ الْمُصَلِّي عَلَى الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ فِي بُطْلَانِهَا قَوْلَانِ. وَتَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يُذْكَرُ فِي مَوَاضِعِهَا.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا قَدْ صَحَّ أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ لَا يَقَعُ، فَالْكَلَامُ فِيهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ:

أَحَدُهَا: فِي صِفَةِ الْمُكْرِهِ.

وَالثَّانِي: فِي صِفَةِ الْإِكْرَاهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>