للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْإِسْلَامِ إِنَّمَا هُوَ إِكْرَاهٌ عَلَى الْتِزَامِ أَحْكَامِهِ، قَبْلَ الْإِقْرَارِ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ. وَهَذَا ظُلْمٌ فَاسْتَوَى حُكْمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْإِسْلَامِ، وَالْإِكْرَاهِ عَلَى فِعْلِ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ لِكَوْنِهِمَا ظُلْمًا فَلَمْ يَصِحَّا وَافْتَرَقَ حُكْمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْإِسْلَامِ، وَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ظَلَمٌ فَلَمْ يَصِحَّ، وَفِعْلَ الْإِسْلَامِ حَقٌّ فَصَحَّ، فَإِنْ وَجَبَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنْ يَسْتَوِيَ فِي الطَّلَاقِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ وَالْإِيقَاعِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظُلْمٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَا.

وَقِيَاسٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ مَعْنًى يُزِيلُ حُكْمَ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ، فَوَجَبَ أَنْ يُزِيلَ حُكْمَ إِيقَاعِ الطَّلَاقِ كَالْجُنُونِ وَالنَّوْمِ وَالصِّغَرِ.

وَقِيَاسٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ لَفْظٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ إِذَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقٌّ، أَصْلُهُ الْإِكْرَاهُ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ.

قِيَاسٌ رَابِعٌ: أَنَّهُ قَوْلٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالنِّكَاحِ.

وَقِيَاسٌ خَامِسٌ: أَنَّ كُلَّ بُضْعٍ لَمْ يُمْلَكْ بِلَفْظِ الْمُكْرَهِ، لَمْ يَحْرُمْ بِقَوْلِ الْمُكْرَهِ، كَالْإِيمَاءِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الآية فهو انه قال: (فإن طلقها) ، وَالْمُكْرَهُ عِنْدَنَا غَيْرُ مُطَلِّقٍ، وَلَوْ صَحَّ دُخُولُهُ فِي عُمُومِهَا لَكَانَ مَخْصُوصًا بِمَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ) . فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الِاخْتِيَارِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ فِي اسْتِثْنَاءِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ لِفَقْدِ الْقَصْدِ مِنْها تَنْبِيهٌ عَلَى إِلْحَاقِ الْمُكْرَهِ بِهِمَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (ثَلَاثَةٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ) ، فَهُوَ أَنَّنَا نَقُولُ بِمُوجَبِهِ وَنَجْعَلُ الْجِدَّ وَالْهَزْلَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ سَوَاءً، وَالْمُكْرَهُ لَيْسَ بِجَادٍّ وَلَا هَازِلٍ، فخرج عنها كالمجنون، لأن الجاد قاصد اللفظ مُرِيدٌ لِلْفُرْقَةِ وَالْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلْفَظِّ غَيْرُ مُرِيدٍ لِلْفُرْقَةِ وَالْمُكْرَهَ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلَّفْظِ وَلَا مُرِيدٍ لِلْفُرْقَةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (لَا إِقَالَةَ فِي الطَّلَاقِ) فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّجُلَ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ وَادَّعَى الْإِكْرَاهَ فَأَلْزَمَهُ إِقْرَارُهُ، وَلَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأَى مِنْ جَلَدِهِ وَضَعْفِ زَوْجَتِهِ مَا لَا يَكُونُ بِهِ مُكْرَهًا فَأَلْزَمَهُ الطَّلَاقَ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُخْتَارِ فَالْمَعْنَى فِيهِ صِحَّةُ إِقْرَارِهِ، وَالْمُكْرَهُ لَا يَصِحُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>