وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ وَجَبَ فِيهَا جَمِيعُ قِيمَتِهِ كَانَ بِيَدِهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ إِلَى الْجَانِي وَأَخْذِ قِيمَتِهِ مِنْهُ أَوْ إِمْسَاكِهِ بِغَيْرِ أرش، لأن لا يَجْمَعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، وَإِنْ وَجَبَ بِهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ كَانَ سَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِمْسَاكِهِ وَأَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ وَبَيْنَ تَسْلِيمِهِ إِلَى الْجَانِي وَأَخْذِ جَمِيعِ قِيمَتِهِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِمَّا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، فَأَمَّا إِذَا تَبَعَّضَتْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالْعِتْقُ فَكَانَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ عَبْدًا فَفِي أَطْرَافِهِ نِصْفُ مَا فِي أَطْرَافِ الْحُرِّ وَنِصْفُ مَا فِي أَطْرَافِ الْعَبْدِ، فَيَجِبُ فِي يَدِهِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَرُبْعُ الْقِيمَةِ، وَفِي إِصْبَعِهِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ، وَفِي أُنْمُلَتِهِ سُدُسُ عُشْرِ الْقَيِّمَةِ وَسُدُسُ عُشْرِ الدِّيَةِ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِيمَا زَادَ مِنَ الْحُرِّيَّةِ وَنَقَصَ، فَأَمَّا ضَمَانُ الْمُكَاتِبِ فَكَالْعَبْدِ وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَتَحْمِلُ ثَمَنَهُ الْعَاقِلَةُ إِذَا قَتَلَ خَطَأً ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْعَبْدُ إِذَا قَتَلَ حُرًّا فَالدِّيَةُ فِي ذِمَّتِهِ وَمُرْتَهِنَةٌ رَقَبَتُهُ، يُبَاعُ فِيهَا وَيُؤَدِّي الدِّيَةَ حَالَّةً فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ لَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ عَنْهُ وَلَا السَّيِّدُ إِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِاقْتِدَائِهِ مِنْهَا، فَإِنْ عَجَزَ ثَمَنُهُ عَنِ الدِّيَةِ كَانَ الْبَاقِي فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَلَا يَكُونُ عَلَى سَيِّدِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا كَانَ السَّيِّدُ ضَامِنًا لِجِنَايَةِ عَبْدِهِ كَمَا يَضْمَنُ جِنَايَةَ بَهِيمَتِهِ.
قِيلَ: لِأَنَّ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ مضافة إِلَى مَالِكِهَا، لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ إِذَا نُسِبَ إِلَى التَّفْرِيطِ فِي حِفْظِهَا وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ مُضَافَةٌ إِلَيْهِ دُونَ سَيِّدِهِ، لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا يَتَصَرَّفُ بِهِ، فَلِذَلِكَ ضَمِنَ جِنَايَةَ بَهِيمَتِهِ وَلَمْ يَضْمَنْ جِنَايَةَ عَبْدِهِ.
فَأَمَّا إِذَا قَتَلَ الْحُرُّ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا مَحْضًا فَقِيمَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةٌ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً مَحْضًا أَوْ عَمْدَ الْخَطَأِ فَفِي قِيمَتِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ قِيمَةَ نَفْسِهِ وَأُرُوشَ أَطْرَافِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي مُؤَجَّلَةً وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ قِيمَةَ نَفْسِهِ وَأُرُوَشَ أَطْرَافِهِ فِي مَالِ الْجَانِي لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ دِيَةَ نَفْسِهِ وَلَا تَحْمِلُ أُرُوشَ أَطْرَافِهِ، فإذا قتل تحمله العاقلة.
فدليله أَنَّ مَنْ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِهِ تَحَمَّلَتِ الْعَاقِلَةُ بَدَلَ نَفْسِهِ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مُتَرَدِّدُ الْحُكْمِ بَيْنَ الْحُرِّ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَبَيْنَ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّهُ مُقَوَّمٌ وَمَبِيعٌ فَكَانَ إِلْحَاقُهُ بِالْحُرِّ أَوْلَى، لِمَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَلِمَا يَجِبُ فِي قَتْلِهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ