لِبَذْلٍ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ (فَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي وَقْتِ الْخِيَارِ) فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَقْتَ الْخِيَارِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ إِنَّهُ أَرَادَ خِيَارَ الْقَبُولِ بَعْدَ الْبَذْلِ، فَعَلَى هَذَا مِنْ صِحَّةِ مَشِيئَتِهَا أَنْ تَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ، مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ، كَمَا يَكُونُ قَبُولُ الْبَذْلِ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ إنَّهُ أَرَادَ خِيَارَ الْجَوَابِ بَعْدَ السُّؤَالِ وَهُوَ أَنْ تَشَاءَ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ وَبَعْدَهُ، وَقَبْلَ أَخْذِهَا فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهْلَةٌ يَسِيرَةٌ، كَمَا يَكُونُ فِي الْعَرب جَوَابًا لِلسُّؤَالِ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ إِنْ تَرَاخَى زَمَانُ مَشِيئَتِهَا لَمْ يَصِحَّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: خِيَارُهَا فِي الْمَشِيئَةِ مُمْتَدٌّ عَلَى التَّرَاخِي.
وَأَصْلُهُ اخْتِلَافُنَا وَإِيَّاهُ إِذَا قَالَ لَهَا: اخْتَارِي نَفْسَكِ، فَعِنْدَهُ إنَّ خِيَارَهَا مُمْتَدٌّ، وَعِنْدَنَا إنَّ خِيَارَهَا عَلَى الْفَوْرِ وَالْكَلَامُ مَعَهُ يَأْتِي.
(فَصْلٌ:)
وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ إِنْ كُنْتِ حَائِلًا، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، وَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْأَلْفِ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِصِفَةٍ، فَلِذَلِكَ بَطَلَ الْمُسَمَّى فِيهِ لِبُطْلَانِهِ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إِلَّا بَعْدَ وَضْعِهَا لِيُعْلَمَ بِهِ يَقِينُ حَمْلِهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَلَطًا، وَفِي تَحْرِيمِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ فِي حَالِ الْحَمْلِ وَقَبْلَ الوضع وجهان.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: (وَإِنْ أَعْطَتْهُ إِيَّاهَا فِي وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَسَوَاءٌ هَرَبَ الزَّوْجُ أَوْ غَابَ حَتَّى مَضَى وَقْتُ الْخِيَارِ أَوْ أَبْطَأَتْ هِيَ بِالْأَلْفِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ ها هنا عَنِ الشَّافِعِيِّ مَبْتُورٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا إِذَا قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي عَلَى أَلْفٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ إِنْ شِئْتِ، فَإِنْ شَاءَتْ فِي وَقْتِ الْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ لَزِمَهُ، سَوَاءً أَعْطَتْهُ الْأَلْفَ فِي وَقْتِ الْخِيَارِ، أَوْ أَخَّرَتْهَا لِهَرَبِ الزَّوْجِ، أَوْ لِإِبْطَائِهَا لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ تَصِيرُ شَرْطًا فِي الْقَبُولِ فَيُرَاعَى فِيهَا الْفَوْرُ.
وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا بَلْ هِيَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ أَغْفَلَ الْمُزَنِيُّ ذِكْرَهَا، وَنَقْلَ جَوَابِهَا، وَقَدْ نَقَلَهَا الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ، وَذَكَرَ فِيهَا هَذَا الْجَوَابَ، وَصُورَتُهَا: أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فأنت طالق، فإذا أَعْطَتْهُ فِي وَقْتِ الْخِيَارِ عَاجِلًا وَقَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute