للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَيْنِ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ ضَمِنَهُ بِالْجَزَاءِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِيجَابِ، وَلَا يُؤْكَلُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْحَظْرِ؟ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَلَا يَكُونُ إِسْقَاطًا لِحُكْمِ الِاسْتِرْسَالِ بِالْإِغْرَاءِ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا ضَرَبَ الصَّيْدَ فَقَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ أَكَلَ وَإِنْ كانت إحدى القطعتين أقل من الأخرى ولو قطع منه يداً أو رجلاً أو أذناً أو شيئاً يمكن لو لم يزد على ذلك أن يعيش بعده ساعةً أو مدةً أكثر منها ثم قتله بعد برميته أكل كل ما كان ثابتاً فيه من أعضائه ولم يأكل العضو الذي بان وفيه الحياة لأنه عضوٌ مقطوعٌ من حي وحي بعد قطعه ولو مات من قطع الأول أكلهما معاً لأن ذكاة بعضه ذكاةٌ لكله ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْمِيَ صَيْدًا، فَيَقْطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ، فَهَذَا توجيهٌ، فَتُؤْكَلَ الْقِطْعَتَانِ مَعًا، سَوَاءٌ تَفَاضَلَتِ الْقِطْعَتَانِ أَوْ تَمَاثَلَتَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا اتَّصَلَ بِالرَّأْسِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ تَسَاوَتِ الْقِطْعَتَانِ أَوْ كَانَ مَا اتَّصَلَ بِالرَّأْسِ أَكْثَرَ أَكَلَ دُونَ الْأَقَلِّ، وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ قَدَّرَ الْأَقَلَّ بِالثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ، وَجَعَلَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَنَقَصَ عَنِ النِّصْفِ خَارِجًا عَنْ حُكْمِ الْأَقَلِّ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ إِذَا انْفَصَلَ عَنِ الرَّأْسِ بِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَا أُبِينَ مِنْ حيٍّ فَهُوَ ميتٌ "؛ وَلِأَنَّهُ أَبَانَ مِنْهُ مَا لَا يَمْنَعُ مِنْ بَقَاءِ الْحَيَاةِ فِيمَا بَقِيَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ حَيًّا، فَذَبَحَهُ.

وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ: " كُل مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ يَدُكَ، فَكُلْ " وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَلِأَنَّ كلما كَانَ ذَكَاةً لِبَعْضِ الْبَدَنِ كَانَ ذَكَاةً لِجَمِيعِهِ قياساً على ما اتصل بالرأس؛ ولأن كلما كَانَ ذَكَاةً لِمَا اتَّصَلَ بِالرَّأْسِ كَانَ ذَكَاةً لِمَا انْفَصَلَ عَنْهُ كَالْأَكْثَرِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ خَبَرِهِمْ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ خَارِجٌ عَلَى سَبَبٍ، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ ذُكِرَ لِرَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّ قَوْمًا يُحِبُّونَ أَلَايَا الْغَنَمِ، فَيَقْطَعُونَهَا مِنْهَا، فَقَالَ: " مَا أُبِينَ مِنْ حيٍّ فَهُوَ ميتٌ "، فَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى سَبَبِهِ مِنْ حَيَاةِ الْمَقْطُوعِ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: إِنَّ أَبَا دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ قَدْ رَوَى نَصًّا فِي سُنَنِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَا أُبِينَ مِنْ بهيمةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ، فَهُوَ ميتٌ ".

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْقَطْعَ لَمْ يكن ذكاة

<<  <  ج: ص:  >  >>