للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِطَلَاقِهِ وَظِهَارِهِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ بِأَنَّ مَاعِزًا أَقَرَّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالزِّنَا فَقَالَ: (لَعَلَّكَ لَمَسْتَ لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ) قَالَ: لَا قَالَ: أَبِهِ جِنَّةٌ قِيلَ: لَا قَالَ: (اسْتَنْكِهُوهُ) لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ حَالَ سُكْرِهِ مِنْ صَحْوِهِ فَلَوْلَا افْتِرَاقُ حُكْمِهِ بِالسُّكْرِ وَالصَّحْوِ لَمَا كَانَ لأمره بذلك تأثيره. وَاسْتَدَلَّ الْمُزَنِيُّ بِمَا سَنَذْكُرُهُ. . وَالدَّلِيلُ عَلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ وَظِهَارِهِ مَعَ عُمُومِ الْقُرْآنِ فِيهِمَا وَمَا اجْتَمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ حِينَ قَالَ لَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَرَى النَّاسَ قَدْ تَتَابَعُوا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَاسْتَهَانُوا بِحَدِّهِ فماذا ترون فقال علي ابن أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَرَى أَنْ يُحَدَّ ثَمَانِينَ حَدَّ الْمُفْتَرِي؛ لِأَنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَوَافَقُوهُ جَمِيعًا عَلَى قَوْلِهِ وَحَدَّهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ بعد كان حده أربعين، فكانت الزيادة إما تعزيزاً أَوْ حَدًّا عِنْدَ غَيْرِنَا، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى إِثْبَاتِ افْتِرَائِهِ فِي سُكْرِهِ، وَثُبُوتِهِ لِإِجْرَاءِ حُكْمِ الصَّاحِي عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي طَلَاقِهِ وَظِهَارِهِ، وَلِأَنَّ وُقُوعَ طَلَاقِهِ وَظِهَارِهِ تَغْلِيظٌ وَسُقُوطَهُمَا تَخْفِيفٌ وَالسَّكْرَانُ عَاصٍ فَكَانَ بِالتَّغْلِيظِ أَوْلَى وَأَحَقُّ مِنَ التَّخْفِيفِ، وَلِأَنَّ السَّكْرَانَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَصْلَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: الصَّاحِي، وَالْآخَرُ: الْمَجْنُونُ فَكَانَ إِلْحَاقُهُ بِالصَّاحِي لتكليفة ووجوب العبادات عليه وفسقه وحده ومؤخذاته بِرِدَّتِهِ وَقَذْفِهِ أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهِ بِالْمَجْنُونِ الَّذِي لا تجري عليه هذه الْأَحْكَامُ

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا أَمَرَ بِهِ مِنِ اسْتِنْكَاهِ مَاعِزٍ فَهُوَ لِيَجْعَلَ سُكْرَهُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَإِنْ كَانَ لِقَوْلِهِ حُكْمٌ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا صَحَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُقُوعِ طَلَاقِهِ وَظِهَارِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِوُقُوعِ طَلَاقِهِ وظهاره على ثلاثة أوجه:

أحدهما: أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ عَدَمُ عُذْرِهِ بِزَوَالِ عَقْلِهِ فِي سُكْرِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، فَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الصَّاحِي فِي جَمِيعِ مَا يَضُرُّهُ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ وَفِي جَمِيعِ مَا يَنْفَعُهُ كَالرَّجْعَةِ وَطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَيَكُونُ مُؤَاخَذًا بِذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ وَفِي الْبَاطِنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَقَعُ الْفَرْقُ فِي وُجُودِ ذَلِكَ مِنْهُ بَيْنَ حَالِ الْإِصْحَاءِ وَحَالِ السُّكْرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْمَعْصِيَةِ لِسُكْرِهِ فَعَلَى هَذَا تَنْقَسِمُ أَفْعَالُهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ هُوَ عَلَيْهِ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ يَصِحُّ مِنْهُ وَيُؤْخَذُ بِهِ كَالصَّاحِي تَغْلِيظًا. وَقِسْمٌ هُوَ لَهُ كَالرَّجْعَةِ وَطَلَبِ الشُّفْعَةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ لِأَنَّ صِحَّتَهُ مِنْهُ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>