وَالثَّالِثُ: أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ دُونَ رَبِّ الْمَالِ فيجزئه أَيْضًا، لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْخُذُ مِنَ الْمَالِ إِلَّا مَا وَجَبَ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يَنْوِيَ رَبُّ الْمَالِ وَلَا الْإِمَامُ فَفِيهِ وجهان:
أحدهما: وهو الصحيح وهو منصوص الشافعي أنه يجزئه، لِأَنَّ أَخْذَ الْإِمَامِ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْفَرْضِ، لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إِلَّا مَا وَجَبَ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قول بعض أصحابه: لا يجزئه لفقد النية المشروطة في الأداء.
فَصْلٌ
: فَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا طَوْعًا: أَخَذَهَا الإمام من ماله قهراً، ويجزئه فِي الْحُكْمِ، نَوَى الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَنْوِ، وهل يجزئه فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
وَقَالَ أبو حنيفة: إِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُؤْخَذَ كَرْهًا بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، فَإِنْ أُخِذَتْ كَرْهًا لَمْ يُجْزِهِ، وَاسْتَدَلَّ بِشَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَا تَصِحُّ مِنْهُ النِّيَّةُ.
وَالثَّانِي أَنَّ أَخْذَهَا كَرْهًا لَا يَصِحُّ إِلَّا لِطَالِبٍ مُعَيَّنٍ، وَمُسْتَحَقُّ الزَّكَاةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَهَذَا خَطَأٌ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) {التوبة: ١٠٣) فَكَانَ هَذَا الْأَمْرُ بِالْأَخْذِ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْمُطِيعِ وَالْمُمْتَنِعِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " فِي كُلِّ سَائِمَة إبلٌ فِي أربعين بنت لبون، ولا تفرق إبلٌ عن حسابها من أعطاها مؤتمراً فَلَهُ أَجْرُهَا وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَيْسَ لِآلِ محمدٍ فيها نصيبٌ " ولأنه حق في ماله يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ كَالدُّيُونِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَتَوَلَّاهُ الْإِمَامُ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ، فَجَازَ أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ كَالْأَعْشَارِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ الأول بفقد النِّيَّةَ، يَقْصِدُ بِهَا الْفَرْقَ بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالْفَرْضِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْإِكْرَاهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ مُسْتَحِقَّهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ، قِيلَ أَوْصَافُهُمْ مُعَيَّنَةٌ، وإن كانت أشخاصهم غير معينة، ولولا تعيين أَوْصَافِهِمْ لَمَا جَازَ أَنْ يُفَرِّقَهَا فِيهِمْ لِجَهْلِهِ به.
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وأحب أن يتولى الرجل قسمتها عن نفسه، لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَدَائِهَا عَنْهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
وَالْأَمْوَالُ ضَرْبَانِ ظَاهِرَةٌ كَالْمَوَاشِي وَالزُّرُوعِ وَبَاطِنَةٌ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ زَكَاتِهَا إِلَى الْإِمَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَدْفَعَهَا إِلَى وَكِيلِهِ، أَوْ إلى الإمام