للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَا تَرَى أَنَّ دَبَّاغًا وَعَطَّارًا، لَوْ تَنَازَعَا دِبَاغَةً وَعِطْرًا لَحَكَمَ بَيْنَهُمَا بِالْيَدِ، وَإِنْ كَانَ الْعِطْرُ فِي الْعُرْفِ لِلْعَطَّارِ وَالدِّبَاغَةُ لِلدَّبَّاغِ، وَلِأَنَّ رَجُلَيْنِ لَوِ اشْتَرَيَا دَارًا بِأَلْفٍ لِأَحَدِهِمَا رُبُعَهَا وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا، وَدَفَعَا إِلَى بَائِعِهَا أَلْفًا، ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ صَاحِبُ الرُّبُعِ: الْأَلْفُ الَّتِي دَفَعْنَاهَا بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ فَلِيَ الرُّجُوعُ بِالْبَاقِي.

وَقَالَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ: إِنَّنَا دَفَعْنَاهَا عَلَى قَدْرِ مَا عَلَيْنَا فَلَا تَرَاجُعَ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ مَنِ ادَّعَى التَّسَاوِي اعْتِبَارًا بِالْيَدِ دُونَ الْعُرْفِ وِفَاقًا كَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ حِجَاجًا، ثُمَّ يَكُونُ الْعِتْقُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعًا نَافِذًا فِي الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إِنِ ادُّعِيَتْ أَدَاءً عَنِ الْأَكْثَرِ قِيمَةً قَرْضًا، فَقَدْ عَتَقَ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَإِنِ ادُّعِيَتْ وَدِيعَةً عِنْدَ السَّيِّدِ أَوْ قَرْضًا فَقَدْ صَدَّقَ السَّيِّدُ لِلْأَكْثَرِ قِيمَةً عَلَى أَدَائِهِ لَهَا، وَاعْتَرَفَ بِعِتْقِهِ بِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ قَدْ أَكْذَبَهُ، وَصَدَّقَ مُدَّعِي التَّسَاوِي، فَإِذَا جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ يَعْتِقِ الْأَكْثَرَ قِيمَةً بِمَا ادَّعَاهُ مِنَ التَّفَاضُلِ، وَكَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ، حَتَّى يُؤَدِّيَ بَقِيَّتَهَا بَعْدَ تَسَاوِيهِمْ فِيهَا، لِيَعْتِقَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَسَيِّدَهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ أَدَّى أَحَدُهُمْ عَنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فَإِنْ تَطَوَّعَ فَعَتَقُوا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فَإِنْ أَدَّى بِإِذْنِهِمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُكَاتَبِينَ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ أَوْ فِي عُقُودٍ أَنْ يُؤَدِّيَ كَسْبَهُ، إِلَّا مَالَ كِتَابَتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُكَاتَبِينَ مَعَهُ سَوَاءٌ، أَدَّى عَنْهُ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، لِأَنَّهُ إِنْ أَدَّاهُ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَانَتْ هِبَةً لَهُ، وَإِنْ أَدَّاهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، كَانَ قَرْضًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَصْرِفَ مَالَهُ فِي هِبَةٍ وَلَا قَرْضٍ فَإِنْ فَعَلَ وَأَدَّى عَنْ غَيْرِهِ مَالًا إِلَى سَيِّدِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُ السَّيِّدِ فِي قَبْضِهِ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَنَّهُ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ.

فَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ فَالْأَدَاءُ بَاطِلٌ، وَغَيْرُ مُحْتَسَبٍ بِهِ لِلْمُؤَدَّى عَنْهُ وَيَكُونُ مُحْتَسِبًا بِهِ لِلْمُؤَدِّي إِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ قَدْ حَلَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَّ كَانَ الْمُؤَدِّي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ مِنْ سَيِّدِهِ، أَوْ يَجْعَلَهُ تَعْجِيلًا عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ عَالِمًا بِأَنَّهُ أَدَّى ذَلِكَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَعِلْمُهُ بِهِ كَالْإِذْنِ فِيهِ فَيَكُونُ كَالْمُكَاتَبِ إِذَا وَهَبَ أَوْ أَقْرَضَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَيَكُونُ فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ مَا بِيَدِهِ مُسْتَحَقٌّ فِي كِتَابَتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْدِلَ بِهِ إِلَى غَيْرِهَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَصِحُّ ذَلِكَ وَيَجُوزُ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيمَا بِيَدِهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِإِذْنِهِ كَالْعَبْدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>